الأربعاء، 8 مايو 2013

أحمد سعده يكتب: كابوس الدولة الدينية

http://new.elfagr.org/Detail.aspx?nwsId=322523&secid=19&vid=2
أحمد سعده


لم يعد خافيا على الكثيرين الواقع المرير والتطور الكئيب الذي صار معه المصريون أمام احتمال مصير مأساوي حال نجاح تيار الإسلام السياسي في فرض كابوس الدولة الدينية كأمر واقع، خاصة مع توطن كل الآفات المادية والاجتماعية في مجتمعنا وبعد أن أصبحنا بجدارة معقل الأيديولوچيات الدينية السياسية ومركز اشعاعها وبالتحديد الاسلام السياسي، أضف لذلك تنامي حالة الفقر المادي والعقلي والروحي لقطاعات جماهيرية واسعة مما يمهد الطريق أمام مزيد من ترسيخ وتوطيد الأيديولوجيا الدينية السياسية بشكل لم يعد له مثيل في بلدان العالم الصناعي حاليا، ومع رفض أي مساس او مواجهة أو نقد متبادل بين العلوم الانسانية والطبيعية وبين الدين فلا غرابة في احتجاج وغضب أصحاب المعتقدات الدينية إزاء أى إساءة أو ازدراء أو تسفيه لمعتقداتهم والتشكيك والتوجس والريبة والعدوانية أمام أي بحث علمي يتعمق في الدين واعتباره نوعا من أنواع الهجوم والغمز واللمز خاصة في منطقة لم تمر بعد بمرحلة النقد الفكري والفلسفي والعلمي والواقعي للمعتقدات كما حدث مع الدين المسيحي في أوروبا الحديثة.
الفارق كبير جدا بين الإسلام من جهة وبين الإسلام السياسي من جهة أخرى، لكن مايفعله قادة الاسلام السياسي من تسييس للدين وتديين للسياسة ليس إلا محاولة واضحة منهم لجعل الأمرين متلازمين لتأليه أنفسهم والعلو فوق أي نقد أو معارضة فتصبح اهانتهم أو رفضهم أو المساس بهم بمثابة اهانة ورفض ومساس بالإسلام، ويصبح الاستبداد والطغيان والفساد في الأرض بدعوى الحاكمية بالله رغم أن الله لايحكم بنفسه إنما ينزل في الهزيع الأخير من الليل ليغفر لمن يستغفره ويستجيب لمن يدعوه، كما أن هؤلاء البشر الذين يدعون الحكم باسم الله الواحد وشريعته محكومين بطبيعتهم بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والقانونية السائدة والمحيطة، لكن بفاشية وطغيان مغلف بطابع إلهي لممارستهم البشرية اللا إنسانية، إضافة للقدرة العجيبة في الافلات من أي جريمة دون عقاب خاصة جرائم الإرهاب والعنف والتعذيب والترويع والقتل والمذابح أو بحد أدنى تبرير تلك الجرائم، حتى لو كانت الجريمة هي تشويه المجتمع المصري والعربي باسلامه ومسلميه وقرآنه وأقباطه وانجيله من خلال تبني سلوك عنيف ومدمر أحيانا بتعبئة الجماهير من خلال استثارة حماستهم الدينية المتوجسة تجاه الآخر واستخدامهم كوقود أحيانا فى صراع الثورة والثورة المضادة إذا اقتضت الضرورة القضاء على ثورة الشعب واحراقها في أتون صراعات دينية أو فتنة طائفية، كما كان رد الفعل مثلا ازاء الرسوم او الفيلم المسىء للرسول الكريم أو ازاء أحداث العنف الطائفي الأخيرة ليصبح رد الفعل أكثر اساءة لله ورسوله من الفعل نفسه.
الإسلام السياسي في مصر بقيادة الاخوان المسلمين يسير على درب دول عديدة عملت على استخدام اسم الله والدين في فرض حكمها كواقع على محكوميها كدولة الخلافة العثمانية التي قامت على فكرة الإسلام ولم تشهد أي ازدهار مقارنة بمحاولات النهوض الصناعي في أوروبا بل وأثرت سلبا على نمو منطقتنا وركودها وخصوصا مصر، وهناك المملكة السعودية التي نشأت على يد تنظيم سلفي مسلح بزعامة محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود فجعلوا منها وللآن قلعة حديدية محصنة ومزينة بادعاء الفضائل المنصوص عليها في الاسلام وسائر الأديان السماوية والأرضية بينما على أرض الواقع تمارس نوعا من أشرس أنواع التطرف والدنيوية والاستغلال والفساد والاستبداد والظلم بفرض الذات والنفوذ على شبه الجزيرة رغبة في بقائها كمملكة ظلامية ظالمة خارج التاريخ كحالة خاصة وشاذة جدا في عالمنا، وهناك أيضا دولة باكستان وقامت على أساس الأيديولوجيا السياسية الاسلامية والتي تزامن قيامها مع قيام دولة إسرائيل على أساس الأيديولوجيا السياسية اليهودية، ومن بعدهما إيران، وكلها نماذج لدول قامت على الاستغلال والاستبداد بحكم طبيعتها الاستثنائية الدينية التي يحكم فيها البشر حكمهم المستبد الظالم باسم الله العادل.
 الحكم الاسلامي المتوقع في بلدان الربيع العربي بقيادة مصر ورعاية الولايات المتحدة ودعم ملوك الخليج لن يأتي سوى بالخراب العاجل هذا بالطبع في حالة عجزنا عن مقاومته خاصة أننا بصدد منطقة متخلفة صناعيا ان لم تكن شديدة التخلف أمام مجتمعات الاستغلال الرأسمالي المتوحش والفساد والاستبداد المدجج بأسلحة التكنولوچيا الحديثة والرهيبة، مجتمعات يستغل فيها الإنسان أخيه الإنسان، والاخوان في ظل هذا وذاك يتغنون بوصفهم دولة تحكم بشريعة الله مع أن مضمونها الفعلي لن يكون سوى مزيد من التبعية والإفقار في ظل تبني الإخوان لبرامج اقتصادية رأسمالية ليبرالية لن تؤدي الا لتعميق التبعية والامبريالية الاستعمارية.
قد يبدو المناخ المادي والروحي والثقافي والسياسي للجماهير ملائما حاليا للإخوان المسلمين لتمرير مخططهم الأخطبوطي نحو إقامة دولة دينية من خلال استحواذ شبه كامل على سلطة الدولة ومراكز قوتها، لكن الحقيقي أن الوضع أعقد كثيرا من مخططات وتكتيك قادة الإسلام السياسي حيث أن هناك بالفعل قطاعات في المجتمع تقاومها وتعاندها بكل جرأة واستبسال، كما أنهم أمام جماهير منتفضة بحكم طبيعة الموقف الثوري الذي حررهم من الخوف والسلبية، أمام جماهير تريد (الآن وحالا) إحراز طفرة فى أسلوب حياتها ومستوى معيشتها على طريقة (الليلة ياعمدة)، إضافة للتناقضات الكثيرة فى معسكرات الثورة المضادة التى يمثل الاسلام السياسي أحد أهم اقسامها المتعددة.
وبالتالي فإننا أمام صراع طويل بين فعل الايديولوجيا الدينية ورد فعل القطاعات الرافضة واستمرار هذا النوع من الفعل وذاك النوع من رد الفعل يعتمد بالأساس على المناخ الثقافي والاقتصادي والاجتماعي الحالي بما يحمله من فقر مادي وروحي، ولن ينتهي إلا بإقامة حياة تعلو فيها قيم الاعتدال ويسودها التسامح بين معتنقى المعتقدات المختلفة بدلا من التعصب الأعمى ومحاولة استخدام الدين للوصول لمطامع سياسية أو استخدام السياسة لخدمة معتقد ديني فالأصل أن الدين والسياسة في خدمة المجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق