الاثنين، 2 سبتمبر 2013

أحمد سعده - أسطورة الجيش والشعب أيد واحدة

أحمد سعده - أسطورة الجيش والشعب أيد واحدة
أحمد سعده
بداية وحتى لا تختلط أفكار ساخني الرؤوس فإن رفض الحكم الديني ورفض الحكم العسكري المباشر لا يعني أننا على موقف الحياد من الجيش والإخوان، فبالرغم من كون الجيش أداة الدولة في سيطرتها وتسهيل استغلالها واستبدادها إلا أنه رغم جهنميته يبقى آداه لا يمكن الاستغناء عنها في مجتمعنا "الطبقي "لتخفيف حدة الصراع بين الطبقات والحيلولة دون القتال المرير بينها، لأن مجرد إلغاء تلك الآلة لا يعني سوى تحويل المجتمع المصري الطبقي لغابة حقيقية وفوضى دموية، أما الإخوان شئنا أم أبينا فهُم الإخوان ولا يمكن تصنيفهم سوى بأنهم جماعة إرهابية فاشية لا ينبغي بأي حال استمرار وجودها أو التعاطف مع خطرها في المجتمع إلا إذا كان لدينا حنين إلى الماضوية والرجعية والتخلف.
- الخطر الإخواني على الدولة والمجتمع اصطدم بخصمين عنيدين: الثورة الشعبية التي لم يكن أمامها سوى الحفاظ على ما تقتضيه ضرورات استمرارها بتخطي تلك العقبة الكؤود، والجيش الذي أدي دوره المعتاد كممثل سياسي وعسكري لمصالح الطبقة الرأسمالية التابعة التي اصطدمت بالقطاع الإسلاموي من نفس الطبقة بعد صراع مرير وصل حد المواجهة المسلحة أو الحرب المصغرة التي سرعان ما حسمها الجيش بعد محاولات الأخونة السريعة والمجنونة لمراكز السلطة والاقتصاد التي كانت تتجه بوصلتها في ناحية غاية الخطورة على مصالح ألوف من رجال الطبقة الرأسمالية ومؤسساتها الإعلامية والإدارية والقضائية والعسكرية في عملية طرد واحلال لهؤلاء الرجال واستبدالهم برجال الثقة من الإخوان في كل قطاعات الدولة بما فيها الجيش التي كانت ستنال منه حتما براثن الأخونة، غير أن الجيش لم يكن بمستطاعه أن يطيح بالإخوان لولا اعصار 30 يونيو التسونامي الكاسح، وكذلك فالثورة الشعبية رغم ضخامتها إلا أنها لم تكن لتنجح في اسقاط حكم الإخوان لولا تدخل الجيش تماما كما حدث مع اسقاط مبارك.
- ورغم ما قد يبدو بسبب التزامن بين ضربة الثورة الشعبية وبين ضربة الجيش للخطر الإخواني المشترك، إلا أن كلاهما ضرب منفردا ويسير منفردا وليس على الإطلاق كأيد واحدة رغم كل التضليل والنفاق الحالي الذي يحاول تلفيق الجيش في صلب الثورة رغم العداء الخفي للثورة المصرية منذ بدايتها الذي سرعان ما سيظهر بحكم الطبيعة الاقتصادية والسياسية لتلك المؤسسة التي أطاحت بمبارك خوفا من نيران الثورة وزلزالها وتفادي التورط في حرب أهلية ضد الشعب المتحفز، والآن تُجهِز على الإخوان حلفاء الأمس وتعتمد سياسة أكثر خبثا في تضليل الثورة الشعبية باستمالة قياداتها ودمجهم في عصب سلطة الدولة وطبقتها الحاكمة، وإذا كانت المعركة الحربية المسلحة التي دارت رحاها في البلاد بين قطاعي الرأسمالية التابعة الإسلاموي متمثلا في الإخوان، وغير الإسلاموي المتمثل في دولة ما قبل 25 يناير بإعلامها وقضائها وجيشها وشرطتها وكلا القطاعين يقبعان باقتدار في خندق الثورة المضادة. فلماذا إذن تطلب بعض الأصوات الثورية أن تتوقف تلك الحرب الشاملة عن طريق استبدال الحل الأمني بالحل السياسي أو الشعبي للمهادنة بين قطاعين مضادين لثورتنا ؟ وإذا كان لا مناص من أن تبقى الرأسمالية التابعة في حكم البلاد، فهل ينبغي على الشعب وثورته أن يحاربا بدلا من الجيش والشرطة في معركة مسلحة لخدمة وتتويج انتصار دولة ما قبل 25 يناير ؟ 
- والآن تعمل كل مؤسسات الدولة ومصر كلها على قدم وساق لإضفاء صبغة وطنية زاعقة يستغلها الجيش كغطاء شعبي في القضاء على الارهاب الإسلاموي تحت شعار "تسلم الأياديرغم أن مواجهة العناصر الإرهابية لا تحتاج إلى كل هذا الضجيج الشعبي والتهليل الإعلامي، كما أن وصم تلك الجماعات بالإرهاب لا ينطبق بالطبع على مئات الألوف من مؤيديهم ممن جرى شيطنتهم وتصويرهم على انهم حُثالة المجتمع، وإذا كانت القيادة العسكرية والسياسية الآن تستطيع حل كل جماعات الاسلام السياسي وأحزابهم وأدواتهم التي قادت البلاد لما نحن عليه الآن فلماذا التردد والميوعة والتهاون ؟ في تقديري أن الجيش يتعمد السماح لتواجد نسبة من العنف اليسير يَسهُل السيطرة عليه وتوجيهه ليكون نافذة لإقناع المجتمع الدولي المعارض لموقف الجيش من ناحية، ومن ناحية أخرى تكون دافعاً ليس فقط لبقاء الجيش في صدارة المشهد السياسي بل ربما لأكثر وأبعد من ذلك عن طريق الحكم العسكري المباشر من خلال أحد الشخصيات العسكرية البارزة ذات الوزن والثقل السياسي والشعبي كوزير الدفاع السيسي الذي تحاول بعض القوى السياسية والشبابية بحكم افتقادها للوعي حينا، أو بطبيعتها الانتهازية حينا آخر الترويج له وتقديمه كحل لا مفر منه لما تشهده البلاد من عنف وإرهاب، ورغم الشعبية الجارفة لوزير الدفاع والتي اكتسبها بقوة التدخل العسكري لصالح إعصار 30 يونيو التسونامي الكاسح ومساندته، إلا أن من مصلحته أن يبقى محتفظا بتلك الشعبية بدلا من أن يصبح رئيسا سرعان ما سينقلب على الشعب وثورته
- وكما تأثرت قطاعات جماهيرية واسعة بحيادية الجيش وانحيازه للشعب أعقاب ثورة يناير وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة حكم البلاد، تتأثر اليوم بالدعاية المضللة والكاذبة حول ثورية الجيش وبطولته، في تجاهل متعمد للعديد من العناصر المسببة لتدخل الجيش والتي لم يجرى سوى تقديم عنصر واحد منها وإبرازه على أنه العنصر الأوحد ألا وهو الحفاظ على ثورة الشعب، رغم أن التدخل كان أمرا استباقي بِحُكم أن الجيش جزء لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة ودولتها ما يعني أنه ببساطة طرف أصيل في مواجهة الإخوان وليس وكيلا عن الشعب وثورته.
- وحتى لا تَأخُذنِي نرجسية مضادة ضد حكم الجيوش الذي لا فكاك منه في عالمنا الثالث كَكُل أو أتساوى في تحليلي مع أولئك الذين يشتمون في الجيش ليلاً نهاراً ظناً منهم أنهم يقولون شيئا مفيدا، فينبغي أن أشير إلى أن التدخل العسكري كان مرغوبا ومطلوبا ومنتظرا من جماهير 30 يونيو وكان عاملا حاسما وفاعلا في إزاحة كابوس الدولة الدينية وانقاذ البلاد من حرب أهلية شاملة ومدمرة لا تبقي ولا تذر، ولذا وجب على بعض كُتَّابِنا اليساريين التخلي عن دنيا الأوهام وأن يجتهدوا ولو قليلا ليعلموا أن الابتعاد عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والاعتماد على تأكيدات نظرية قد يعمل بدوره على خلق آراء غاية التَطرُف ضد الدولة والجيش ثم أن التبني المتواصل لمفردات الشجب والإدانة وزرع الاحباط قد تقتل الأمل، رغم أن الكاتب الجاد المُتعمق عليه أن يعلو فوق الإحباط والاكتئاب والألم أمام الاخطار التي تحدق بالأمل. ورأينا كيف استغل الاخوان مثل تلك الآراء في توظيف الثورة ووضعها في مواجهة مباشرة مع قيادة مجلس طنطاوي العسكري إلى الحد الذي أهدى الحكم الديني سلطة البلاد بعد اسقاط حكم المجلس العسكري بطريقة عفوية تفتقد للوعي رغم أن النضال ضد حكم المجلس العسكري المباشر كان أمرا ضروريا.
- وعلى قيادات الثورة المخلصين أن يتفادوا التورط في دعم حكم عسكري مباشر من شأنه تصفية الثورة والقضاء على منجزاتها تحت شعارات قومية جوفاء تعززها الأبواق الإعلامية وتلوح بوادرها في الأفق من الآن، غير أن وعي الجماهير المتسلح بخبرة عامين ونصف يؤهلها لتتجاوز سريعاً في الفترة القادمة أسطورة "الجيش والشعب إيد واحدة" كما تجاوزت نفس الدعاية في أيام المجلس العسكري ولا مناص من استمرار نضال الثورة الشعبية التي لا تخضع سوى لقانونها الخاص.
- وهناك من يستند إلى ضرورة حكم الجيش ليس فقط لدحر الإرهاب الإسلاموي وعودته الانتقامية المحتملة بل أيضا لمواجهة الهجمة الأمريكية الشرسة على مصر وهذا التَصوُر إنما ينطوي على العديد من المبالغات والقراءة المتسرعة للمشهد فالعلاقة بين الجيش والولايات المتحدة استراتيجية لأبعد مدى رغم صدمة الإدارة الأمريكية من قرارات الجيش المصري التي تمت دون تنسيق مُسبق معهم كما جرت العادة، ولعل انزعاجهم يكمن في أنهم أخذوا كثيرا من حُكم الإخوان أكثر حتى مما أخذوه من حكم مبارك وفي كل الأحوال فهو موقف سياسي تكتيكي مؤقت لمحاولة فرض السيطرة والخضوع على الحكم الحالي وترويضه وتدجينه بما يضمن إعادة مصر داخل الحظيرة الأمريكية حفاظا على مصالح أمريكا العسكرية والاقتصادية وأمن اسرائيل كهدف استراتيجي دائم لا علاقة له باستمرار الإخوان أو غيرهم في الحكم
- ولا ينبغي المبالغة في تقدير الدور الذي تلعبه أمريكا في مصر فرغم كل النفوذ السياسي والاقتصادي إلا أن أمريكا ليس بمقدورها أن تتحكم في السياسة المصرية وبوصلة الثورة المصرية بأوامر مطلقة على طريقة (كن فيكون) وإلا ما سقط مبارك وما سقط الإخوان، كما أن ذلك ينطوي على تأكيد لنظرية المؤامرة ويُوجِّه إهانة واحتقار للشعب المصري بصورة لا تُغتَفَر بل ووصف ثورته بالعمالة للولايات المتحدة وبالطبع فإن تلك المبالغات هي أحد أدوات ودعاية الثورة المضادة للتشكيك في ثورة المصريين في تجاهل تام لمبررات وأسباب الثورة الجوهرية الواضحة وضوح يفقأ العين المُتمَثِّلة في تَدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لجماهير الشعب، والزيادة الرهيبة في معدلات الفقر والحرمان، والأعداد المليوينة لساكني المقابر والعشوائيات ممن يعانون أخطار الجوع والأوبئة والأمية والتشرد والضياع، وصارت مُعاناتِهم جزء من أسلوب معيشتهم أمام أي منشأة خدمية أو صحية، وفي كل مكتب حكومي أو قسم شرطة، وفي كل خطوة وفي كل شارع أو ناصية، وأصبحوا فريسة سهلة للأمراض السرطانية والفيروسات الكبدية التي تلتهم الملايين منهم سنويا، وصاروا ضحايا للاستبداد والفساد والاستغلال والنهب وتفشي الفساد والبطالة وغيرها من الأمور التي لا يكفي مقالي للإشارة إليها بما جعل الأوضاع قنبلة قابلة للانفجار تنتظر فقط نزع فتيلها الذي كان في 25 يناير 2011
- ولأن لكل وقت آذان، فأخشى ما أخشاه الآن من ارتداء قناع الديمقراطية الزائف بالسماح للجماعات الاسلاموية بالتواجد على المنصة السياسية من جديد تحت دعاوي لم الشمل والتصالُح كما أرى الآن أمامي على الشاشة من زيارة المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية لحزب النور الحليف الرئيسي للإخوان المسلمين، وإشراكهم في لجنة الخمسين كممثلين عن التيار الاسلامي لتعديل الدستور ما يعني تراجع الدولة عن حل الأحزاب الدينية ويسمح بعودة تدريجية للإخوان والسلفيين بخطط وبرامج وربما بمسميات جديدة وبنفس طموح دولة الخلافة الدينية الكابوسية بعيدا عن كل درس مستفاد، فهل سنعيش من جديد في دوامة الصراع الطائفي والطيفي الذي يُبعِدنا بدوره عن نضالنا الأصلي والحقيقي من أجل مطالب ثورتنا تحت ضغط الإرهاب الوحشي الشرس والمتعطش للانتقام ؟
- الأفكار المُتَطَرِّفة مصيرها الحتمِي الاقصاء والعزل مهما طال أمَدها، لأنها ببساطة لا تقدم جديدا للمستقبل أو تخدم حياة البشر ومعاناتهم وبؤسهم، بل أنها تخدم الماضي وتتراجع إليه. ومن هنا كانت ضرورة التخلص من الاخوان المسلمين كتيار سياسي تغلغل في طبقات الشعب المصري بوسائل معروفة للجميع لم يكن من بينها يوما النضال في سبيل قضية وطنية أو من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات، وقد يَتوهم البعض بأننا تخطينا هذا الشبح الأسود الثقيل بسقوط الإخوان المُدَوِّي. غير أن دروب الشر كثيرة ومنها ذلك التراجع الثقافي والفكري والروحي والاقتصادي والاجتماعي للحياة المصرية في إشارة لا تُخطيء إلى أن مصر أرض خصبة جدا لإنتاج ونمو نفس أزهار الشر الاسلاموية من جديد.
- ولا خلاص من هذا البؤس الديني والعسكري لمجتمعنا الواقع تحت براثن التبعية سوى بالتحول الحقيقي لتصنيع شامل وتحديث جذري يعملان سويا على فتح آفاق رحبة للمجتمع المصري ينمو من خلالها ويُحَلِّق في سماء عالم مُتقدم من التطور لا يعترف إلا بما يبذله البشر من مجهودات

الخميس، 1 أغسطس 2013

أحمد سعده - إلى أين يأخذنا الصراع.؟

أحمد سعده يكتب : إلى اين يأخذنا الصراع .. ؟

- لاشك أننا أمام حالة من الاحتقان الحاد والصراع القائم بين الاخوان المسلمين وحلفائهم السلفيين والجهاديين بتاريخهم الإرهابي الدموي ضد كل الدولة وكل المجتمع وضد الثورة الشعبية، دخلوا جميعا في مرحلة الحسم النهائي واسدال الستار على أخطر فصول الثورة الذي لن يكلفنا التباطؤ والتردد في مواجهته سوى حربا أهلية مدمرة للبلاد والعباد، فهل يتدخل الجيش أم لا.؟ هل يتركنا فريسة للإخوان و بُؤس دولتهم الدينية.؟ أسئلة مُلِّحة تحتاج لإجابة بعيدا عن دنيا الأوهام التي يعيش فيها بعض كُتَّابِنا بخاصة اليساريين ممن لا يجيدون سوى السفسطة والشجب والإدانة الممزوجة بشعارات ومبادئ وتسجيل مواقف دون النظر للواقع الفعلي وطبيعة الموقف الراهن وخطورته المرعبة. الجيش تدخل لعزل مرسي ليس فقط استجابة للضغط الشعبي في إعصار 30 يونيو الكاسح، لكن أيضا حمايةً للطبقة الرأسمالية واستعادة نفوذها وسلطتها المفقودة وإنقاذ مصالح آلاف من رجال النظام، فالجيش ببساطة جزء أصيل لا يتجزأ من تلك الطبقة ودولتها، على أن الجيش لم يكن بمقدوره ازاحة الأُخطبوط الإخواني بمعزل عن الثورة الشعبية ليس بالطبع عجزاً وإنما تفادياً لمواجهة المواقف الدولية التي لا تتسامح أو تتعامل بسهولة مع الانقلابات العسكرية، والثورة الشعبية أيضاً لم تكن لتقدر على اسقاط الإخوان دون تدخل ومساعدة الجيش كقوة فاعلة، كلاهما احتاج للآخر في مواجهة خطر حقيقي مشترك يهدد كيان المجتمع المصري وبدون أي تنسيق أو تحالف مسبق. احتدام الصراع كان أمرا لا مناص منه توقعناه منذ تسلُم الإخوان سلطة البلاد لأن التناقض الأيديولوجي داخل نفس الطبقة الرأسمالية بين قطاعيها الإسلامي والدولَتِّي أو القومي من شأنه أن يخلق صراعا مريرا يصل أحياناً حد الحرب الأهلية بينهما في سعيهما الدائم للسيطرة على مفاصل الدولة وسلطتها واقتصادها، ما ينفي ويلغي أي توافق أو انسجام مشترك داخل نفس الطبقة عكس النظرة السطحية المفتقدة لأدنى اجتهاد. ولأن التهور الإخواني قاد قطارهم الأسود بسرعة مجنونة نحو الهروب بعيداً في طريق السيطرة والأخونة والسلفنة للتمكين من الدولة والمجتمع، فكان نصيبه الصدام المباشر والسريع بعد عام واحد فقط من الحكم بكتلتين فولاذيتين متمثلتين في الثورة الشعبية من جانب، ومن الجانب الآخر الجناح القومي للطبقة الرأسمالية المصرية ودولتها (الجيش، الشرطة، الإعلام، القضاء، رجال دولة مبارك أو ما يسموا بالفلول) بكل ما يمتلكونه من خبرات وإمكانات استراتيجية مادية وعسكرية كاسحة مقارنة بتيار الاسلام السياسي، ما جعل المواجهة غير متكافئة رغم العناد الاخواني اليائس المتشَبِّث بقوته الأيديولوجية الدينية في التهديد بموجات ومستويات جديدة من العنف والإرهاب والدم والقتال الذي بدأ في سيناء والقاهرة ومناطق متفرقة من البلاد في عملية انتحار سياسي غريب. 
- وعلى دعاة المهادنة والتصالح والتعايش أن يكفوا ولو الآن عن ميوعتهم العبثية التي من شأنها أن تفتح أبوابا إبليسية يتسلل منها مجدداً دعاة الشر، وأن يتيقنوا أن لا سبيل في الاختيار بين الشرور إلا أهونها، فلا استجابة لمهاترات حزب النور السلفي أو القبول بِلَيّ الذراع والتفاعل مع المبادرات الخبيثة كمبادرة سليم العوا، ولا حتى تصديق أسطورة الميدان الثالث بقيادة أبوالفتوح الذي تتواتر روايات عن إدارته الحالية لتنظيم الاخوان العالمي في محاولات لإبقاء التنظيم حيا. لذلك فعلى قلوبنا الرحيمة ألا تنخدع بدموع التماسيح وأن نواجه ذلك الوحش الإخواني العنيف الأشبه بتنين "كايميرا" الإغريقي متعدد الرؤوس، وما سيناريو العشرية السوداء الجزائري ببعيد، فهل نختار المواجهة السريعة لوأد جنين الحرب أم ننزلق بسيقان عارية في مُستنقع الحرب الأهلية.؟
- علينا أولا تجاوُز المأزق الحالي وتوجيه رصاصة الرحمة لخيول الإسلام السياسي بِحل أحزابهم وجماعاتهم وعزلهم سياسياً وتغيير كلي للدستور الإخواني السلفي وتقديم قيادات الجماعة ومرشدها للمحاسبة والمحاكمة على ما اقترفوه من جرائم سياسية وانسانية في حق مؤيديهم ومعارضيهم عمقت الفجوة التاريخية والاجتماعية والثقافية، بل وحولت الصراع الثوري والطبقي الى صراع مسخ طيفي وطائفي أَغرق الثورة الشعبية في دائرة مُفرغة بعيدة عن تحقيق أهدافنا التي يُلخصها شعار الثورة العبقري الذي انحرفنا كثيراً عنه بفعل فاعل ورفعنا بدلا منه شعارات "يسقط حكم العسكر"، "يسقط حكم المرشد". والتي بالرغم من أهميتها و أهمية هذا الإسقاط، إلا أنها بالطبع لم تكن الغاية المنشودة. فكل شعار تم توظيفه لخدمة غايات ومصالح مختلفة، ولا ينبغي أن نتوهم أن سقوط الإخوان يعني أن مطالب الثورة قد تحققت رغم كل المشاعر الإيجابية المبالغ فيها، أو أن عَداء الجيش التام للحكم الديني يعني التنسيق والتحالف معه وقُبوله كحاكم فِعلي ومباشر للبلاد، لكن لأن "لكل وقت آذان" فالأولوية الحالية لمُجابهة الخطر القائم وتأجيل التفكير فيما ينتظر ثورتنا من خطر متوقع يتمثل في استبداد وديكتاتورية الطبقة الرأسمالية التابعة التي يتشكل حكمها الآن برعاية الجيش و بالاستعانة بقيادات شعبية وثورية كغطاء شعبي لتضليل وخداع جماهير الثورة واعادتها مؤقتا إلى أحضان النظام، ولا أُخفي دهشتي وتعجبي من انصراف القوى السياسية سريعا وفي ذيلها الجماهير إلى بناء مؤسسات الثورة المضادة الدستورية والبرلمانية والرئاسية في ماراثون انتخابي يتسابق عليه المتسابقون ظنا منهم أنهم بذلك سواعد في بناء الديمقراطية، رغم أن تلك المؤسسات ليست سوى امتداد لمؤسسات الدولة التي ثار الشعب ضدها وقام بحلها في حقيقة مفزعة لا يتم تداركها الا بعد وقت كافي تُرهَق معه الثورة ويصيبها الاحباط في خِضم الاستفتاءات والاجراءات والانتخابات. 
- وعموما فإن اسلامية الدولة أو مدنيتها أو ليبراليتها أو علمانيتها أو اشتراكيتها ليس حلا لكل مشكلاتنا سوى من وجهة نظر أصحاب تلك الأيديولوجيات، التي تنطلق عادة من جوانب نظرية عامة دون أدنى اجتهاد في بحثها ومقارنتها بالواقع الفعلي الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، ولأن السياق الاجتماعي لثورتنا المصرية يأتي في ظل تخلف رهيب وتراجع على كل المستويات الاقتصادية والثقافية بحكم وقوعنا عقودا تحت وطأة الاستعمار الإنجليزي، ثم الحروب المتوالية مع اسرائيل، ثم قبوعنا في قفص التبعية الحديدي للرأسمالية العالمية التي تتحكم في مصيرنا ومستقبلنا ولا تمنحنا ولو فرصة للنمو في عالم امبريالي لا يعرف رحمة أو شفقة، ولا أمل لنا في سلطة الدولة وحُكمها الذي لا مناص من أن يبقى ديكتاتوريا بحكم تلك التبعية، فلا يملك ما يقدمه لجماهير الشعب الثائرة سوى القمع والبطش والاستبداد اللهم إلا بعض التنازلات تحت ضغط الحركة الشعبية التي لا تخضع سوى لقانونها الخاص. لذلك فإن إسقاط الحكام واحدا تلو الآخر رغم قيمته ومجده إلا أنه لم يمثل حلا، بل أن الحكام السابقين واللاحقين في مصر لم يكونوا جزءاً من الحل، ولم يكونوا حتى سوى جزءاً من المشكلة، لكن المشكلة الحقيقية تكمُن في العلاقات وثيقة الصلة لأنظمتنا بقوى الاستعمار الخارجي ومصالحها التي حولت بلادنا إلى ملحقا تجاريا تحتكره الشركات العابرة للقارات، وليس أدل على ذلك من الموقف الراهن واهتمام الاتحاد الأوروبي من خلال زيارة مفوضيته كاثرين آشتون لكل أطراف الصراع الحالي بما فيهم جنرالات الجيش والوفد الإخواني والبرادعي وشباب تمرد وحتى مرسي في محبسه بملحق سجن طرة، ولا يخفى على أحد الدور الذي تلعبه أمريكا من خلال السفيرة باترسون في مصر وكيف تلهث القوى السياسية للحصول على دعم ومباركة الكونجرس، وبنظرة صغيرة للحشود الاخيرة ستجد ان اعتصام ميدان رابعة العدوية يستعطف ويخاطب الغرب عن طريق لافتاته وعباراته المكتوبة باللغة الإنجليزية رغم أن الغرب بالنسبة للسلفية هم أولياء الشيطان، وفي المقابل فإن مناشدة الجيش للشعب بضرورة النزول للميادين لتفويضه في محاربة "الإرهاب" وتفرغ الفضائيات الخاصة رغم زخم برنامجها الرمضاني لبث التظاهرات  لم يكن سوى وسيلة ليرى من خلالها العالم الغربي الدعم الشعبي لقرارات الجيش وتنفي عنه صفة الانقلاب، وبالنظر للموقف الاسرائيلي سنرى كيف تم تعليق بعض بنود اتفاقية السلام حتى يتمكن الجيش من ضرب العناصر الجهادية في سيناء. إذن إنها البرجماتية ولعبة المصالح فالغرب معك ويدعمك للوصول للسلطة طالما تضمن له مصالحه، وبنفس مقدار دعمه يتخلى عنك لو كنت آيلا للسقوط ويدعم غيرك الجاهز للسلطة وبنفس شروط وقواعد اللعبة. لذا لا أمل في أن تأتى سلطة الدولة بحلول تضع حدا لمعاناة المصريين وبؤسهم. فما الحل إذن يا أصحاب الحلول.؟
- وإذا كان السيسي بكل ما يمتاز به من شخصية قوية متزنة وكاريزما سياسية وجرأة وثقة وثبات استطاع في أقل من أسبوعين أن يحظى بشعبية وحب جماهيري جارف وضعه في خانة واحدة مع شارل ديجول، وايزنهاور، وناصر. وليس بعيدا أن يحمله الشعب "العفوي" من بيته ويأتي به رئيسا للبلاد رغم كل تأكيدات الجيش بالابتعاد عن الحكم المباشر. لكن هل يُعقل أن تُقدِّم الجماهير شخصا بهذه المواصفات كهدية لسلطة الدولة المضادة بطبيعتها للثورة.؟ وإذا كان السيسي بطلا قوميا بالفعل فهناك من يراه خائنا وهؤلاء بالطبع مؤيدي "الشرعية" المزعومة بحكم أن السيسي أتى به مرسي بعد الإطاحة بطنطاوي وعنان. وتلك هي أسطورة أخرى يعيش فيها ليس فقط أنصار ومؤيدي مرسي بل حتى كثير من معارضيه، أما عن الحقيقة فقد تحدثت عنها من قبل وأكدتها مجريات الأحداث وهي أن قيادات الجيش جددت من شبابها واختارت الاطاحة بالقيادة العجوز للمجلس العسكري السابق الذي تحالف مع الاخوان واضطر لتسليمهم السلطة مجبرا في نهاية الأمر تحت تهديدات الاخوان بإحداث حالة من الفوضى، في حالة مخالفة لعقيدة الجيش المعادية تماما للحكم الديني. ومن هنا كان دور السيسي والقيادة الجديدة التي اختارت احالة مجلسها العسكري العاجز الى التقاعد ومنحت الإخوان عاما في مواجهة الشعب وثورته كان كفيلا بتسهيل مهمة الجيش في 30 يونيو، وما يؤكد أيضاً هذا الاتجاه هو خطابات السيسي الأخيرة التي أكد فيها أنه كان دائم النصح لمرسي منذ تولى قيادة الجيش، ما ينفي حتى الخضوع الطبيعي في حالة أن مرسي من أتى به ومنحه رتبتان كترقية استثنائية. لكن ولماذا نذهب بعيدا في عالم الاستنتاجات؟ فالجيش كان وما يزال دولة داخل الدولة، أسدا متمردا لم ولن يستطيع أي رئيس سابق ترويضه بداية من ناصر ونهايةً بمرسي. وكيف الحديث عن الخروج الآمن لقيادات الجيش.؟ وتلك هي المؤسسة التي تَمنح وتَأخذ، الإمبراطورية الاقتصادية التي لا يستطيع أحد المساس بمصالحها أو وضعها أو ميزانيتها، بل يحاول أي حاكم أن يسترضيها. لكن انتقال السيسي من الزعامة الشعبية إلى منصب الرئاسة الخادع البراق لن يقدم للثورة سوى سلاحا مضادا وفتاكا بين يدي الدولة وسلطتها بل وسيمنحها أيضا مزيدا من الأبواق الاعلامية والدعائية التي ستهلل لكل قرار وستبرر لكل إخفاق، لذا أكرر أن الأمل ليس في شخص أو رئيس سينقلب في كل الأحوال على ثورة الشعب نتيجة أن الثورة والدولة دائما نقيضان لا يجتمعان.
- الأمل الوحيد ليس في شخصية الرجل الخارق أو القلب الشجاع الذي سيغير البلاد بلمسات سحرية، وخصوصا مع الوضع في الاعتبار الخطر الداخلي للتيارات الدينية المستمرة في تقديم خدماتها الجليلة للاستعمار الذي يحاول طمس معالم دولتنا وتفكيكها واستبدالها بأنظمة دينية وقبلية وطائفية، تتحول من خلالها الأيديولوجيا الدينية إلى رغبة في السيطرة وفرض تسلطها وسيطرتها على باقي طبقات المجتمع، بحكم الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يحولها لأداة من أدواته دون أيّ تغيير يُذكر في حياة وعناء وشقاء المواطن المسلم، والأكيد أن المجتمع المصري بحكم تخلفه الشديد اجتماعيا وثقافيا وفكريا وروحيا بيئة خصبة جداً لإنتاج ونمو نفس النَبَّت الشيطاني الخبيث. 
- ولن يكون الأمل سوى باستقلال حقيقي يُخرجنا من دائرة الاستعمار الاقتصادي والتبعية للرأسمالية العالمية المتوحشة التي لم تترك لنا منفذا للهروب من سجنها العقربِيّ. إلا عبر دروب الصعاب الشاقة والسباحة ضد التيار نحو مجتمع صناعي رأسمالي قادر بنمطه الانتاجي على الوقوف بقوة وثبات في عالم متعدد الأقطاب بعيدا عن أية شعارات اشتراكية أو قومية ديماجوجية جوفاء. الفرصة لن تتكرر كثيرا وثورتنا لن تُقدم في أفضل الأحوال أكثر من تمليكنا الأدوات والأساليب النضالية التي تحتاج منا بذل الجهد في تطويرها وتعميقها بوعيِّ يجعلها قادرة على محاصرة ديكتاتورية الدولة الحتمية وفتح ثغرة استثنائية نعبر منها بمجتمعنا المصري لآفاق رحبة من التطوير الشامل بشكل يقلب أوضاعنا الاقتصادية رأسا على عقب من خلال ثورة صناعية حقيقية تتضافر فيها الجهود حتى لا تصبح ثورتنا مجرد انفجار سكاني.


29 يوليو 2013

الجمعة، 12 يوليو 2013

أحمد سعده - الثورة المصرية قد تمرض لكن لا تموت

أحمد سعده
أحمد سعده - الثورة المصرية قد تمرض لكن لا تموت
الحكم الإخواني السلفي مازال يتشبث بالشرعية المزعومة حاشدا جموعه في محاولات يائسة لاستعطاف الغرب الذي لا يتعامل مع دول التدخلات العسكرية من باب النفاق الزائف لدعم الديمقراطية، تدخل الجيش المدعوم بثورة الشعب وإطاحته بحكم الإسلام السياسي كان بهدف رئيسي تم تجاهله طبعا، يتمثل في حماية الطبقة الرأسمالية التابعة ونظامها ودولتها، ثم بعد ذلك تأتي أهداف أخرى يتم الترويج لواحد منها على أنه الهدف الأسمى ألا وهو حماية الشعب واستعادة ثورته المسروقة، بما يخلق حالة من المشاعر الإيجابية والأوهام التي تتغنى بوصول الثورة لسلطة الدولة، نفيق منها لنجد أنفسنا في نفس الدائرة الشريرة لمواجهة الثورة المضادة الفلولية العسكرية التي استعادت سلطتها بعد تصفية حساباتها مع الثورة المضادة الاسلامية بحكم التناقضات الطبيعية داخل نفس طبقة الرأسمالية التابعة، لكن هذه المرة بغطاء ليبرالي من قيادات الأحزاب المدنية وبعض شباب الثورة، والذين لن يتوانوا في مساعدة الجيش على احتواء وتصفية الثورة والتحول كمقاتل عنيف ضد كل تصعيد أو احتجاج أو نضال، واقحام الثورة في السرداب المظلم لمتاهة الاستفتاءات والانتخابات لقلة الوعي الثوري حينا عند هذه القيادات أو عن انتهازية أصيلة حينا آخر، وبالتالي فإن مشاركة الجماهير في مهازل الانتخابات في زمن الثورة تفتت طاقات الثورة هباءا كما أنها اعتراف موثق بشرعية مؤسسات لامناص من مواجهتها لنضال جماهير الثورة، نحن إذن بصدد نقطة تحول تسعى فيها الرأسمالية التابعة عن طريق ممثليها السياسيين والحزبيين للإمساك بزمام السلطتين التنفيذية والتشريعية وبمشاركة للإسلاميين من نفس الطبقة كنوع من الاحتواء تحت مسمى المصالحة الوطنية بعد صدمة الإطاحة بهم، في أقوى محاولات الثورة المضادة لاستعادة نظامها والرقص على جثة الثورة، والويل كل الويل لمن قاموا بنصف ثورة..!! ما كل هذا التجمع الغير مسبوق في صفوف الثورة المضادة العسكرية والليبرالية والإسلامية التي تلتحم رغم تصارعها المرير في كتلة فولاذية لاقتسام وتقسيم غنائم الثورة والمضي قدما في سبيل تصفيتها.؟
 ولا غرابة في أن غياب الخبرة لدى شباب الثورة رغم مجدهم الحقيقي كان سببا مباشرا في تبني الانتخابات الرئاسية المبكرة كمطلب قدسي لمرحلة مابعد مرسي، في تكريس مستمر لإنتاج دولة رئاسية يتسابق المتسابقون من شخصيات سياسية وانتهازية كبيرة على رئاستها، تتجاهل ما تحتاجه مصر للإنتقال المباشر لجمهورية برلمانية تحقق قدرا من الديمقراطية الشعبية يكون للبرلمان فيها صلاحيات واسعة بعيدا عن قمة سلطة الدولة التي لاتعدو أكثر من آداة وسلاح فتاك في أيدي الطبقة الاستغلالية في مجتمعنا الطبقي الذي لا مفر من أن يبقى ديكتاتوريا بحكم طبقيته وخضوعه وتبعيته للامبريالية التي ستُوقف نمونا ولن تسمح لنا بالتقدم كلما حاولنا، بل ستعمل على إبقاء أوضاعنا على مانحن عليه (مجرد أسواق وملحقات تجارية وأفنية وزرائب خلفية).
إن انتقال شباب تمرد سريعا من الميادين الى الأروقة والإجتماعات والشاشات انعكس بشكل سلبي على هبوط حركة جماهير الثورة، وأصبحت الميادين الآن محتشدة بمئات الألوف من أنصار تيار الإسلام السياسي التي تتجه بحكم الفقر المادي والفكري نحو بؤس الحل الديني، هذا الوهم الذي لا يقود إلا لتمزيق المجتمع، ما قد يدفع بمستويات جديدة من العنف ويسمح للنظام الجديد بعقد تحالفات وصفقات مع جماعة الإخوان المسلمين وميليشيات الإرهاب والتطرف التي كان ينبغي حل أحزابها فورا بعد أن تسببت في مزيد من تقسيم المجتمع المصري وقادت البلاد لخطر الحرب الأهلية.  
المرحلة القادمة من المتاهات الفقهية والدستورية والانتخابية الممتدة ربما حتى لعامين قادمين ستتوجه اليها الأنظار كالعادة وتهرول إليها الأحزاب السياسية بما فيها تلك التي داخل جبهة الإنقاذ كخير ممثلين ونواب ووسطاء عن طبقة الرأسمالية التابعة بعيدا عن النضال الثوري رغم أن قواعد تلك الأحزاب من جماهير الطبقات الشعبية لكنها بالطبع لاتدرك أن الحزب هو عدوها الأول الذي سيُجمِّد جهودها الثورية لأدنى حد يسهُل التعامل معه بعد أن تستطيع الطبقة الرأسمالية الحاكمة مباشرة أو بواسطة مندوبيها وممثليها استعادة الاستقرار وكفاءة أنظمتها المغلفة بالشرعية التي نكون قد منحناها إياها.
وهنا تطرح الأسئلة نفسها: مافائدة برلمان في دولة لاتعدو فيها المؤسسة التشريعية أكثر من ملحق ثانوي يتم التشريع فيه بأوامر من الحزب الحاكم؟؟ وما فائدة الرئيس في ظل نظام رئاسي سينقلب على الثورة فور تنصيبه إلها بسلطات مطلقة في غياب الفصل بين السلطات وتحت سيطرة العسكر؟؟
إن ما طرحته سابقا عقب ثورة يناير وما اطرحه من الآن ليس موقفا سلبيا مستمرا في مقاطعة المسار الإنتخابي الذي لم يحدد ميعاده بعد، بل هو موقف أتبناه في هذا الزمن تحديدا ألا وهو زمن الثورة، ومحاولة استباقية مني لتذكير كل الفلاسفة والفصحاء الذين يدفعون الجماهير نحو صناديق تزييف إرادتهم للتصويت ضد مصالحهم الحقيقية تحت دعاوي المشاركة الايجابية، ولو كلف هؤلاء الفلاسفة عناء البحث والقراءة لتأكدوا أن المشاركة في الإنتخابات في زمن الثورة هو بعينه طريق الآلام المزين بالورود لإنهاك وتصفية الثورة وارهاق قواها، كما أن الجماهير بحكم عفويتها مازالت لم ترتقي بعد إلى الوعي الثوري المتكامل لاختيار ممثلين حقيقيين لمصالحها، وبخاصة مع وقوفها الآن كمتفرج وانحصار السباق والصراع داخل معسكر الثورة المضادة ممثلا في دولة مبارك التي تسيطر بشكل فعلي على أقسام مهمة من الاقتصاد والإعلام والقضاء وفي قلبها الجيش والشرطة إضافة لقادة الأحزاب الليبرالية التي تمثل قمتها جبهة الإنقاذ، وكل تيارات الاسلام السياسي ورغم أن كل هؤلاء يتغنون بكونهم يمثلون الثورة لحما ودما، إلا أن واقع الثورة يتبرأ منهم جميعا ومن عبثهم بثورة المصريين وشعارها العبقري الغائب الذي يلخص معاناة الجماهير ومطالبهم الحقيقية (عيش-حرية-عدالة اجتماعية).
إن مصير الثورة المصرية السياسية في ظل التبعية الاقتصادية وسيطرة الرأسمالية العالمية لن يختلف كثيرا عن مصائر ثورات مضت في أماكن متفرقة من بقاع الكرة الأرضية، وهي مصائر كئيبة للغاية من حيث انكسار الآمال والتطلعات التي تطلقها فى حينها، وإن أقصى مايمكن تحقيقه هو الوصول لديمقراطية حقيقية شعبية تكون نواة للانطلاق وفتح آفاقا رحبة من التحديث الشامل والتطور والانتقال بمجتمعنا إلى نمط انتاج رأسمالي فعلي بعيدا عن الشعارات الديماجوجية الجوفاء.
إذن فالحلم الحقيقي الناجز وضوء الأمل الوحيد معقودا على الديمقراطية الشعبية، شرط أن تقتنع القوى الثورية وشبابها أنها غير جاهزة لسلطة الدولة على الأقل حاليا، وأن عليها البناء من أسفل ومواصلة نضالها نحو ديمقراطية حقيقية. لكن ماهي الديمقراطية هذا المجهول الغامض؟
الديمقراطية أن يمتلك الشعب أدوات نضاله وتحريره وانتزاع حقوقه وممارستها، هي الطريق الذي يرغبه ويفرضه على الطبقة الحاكمة ودولتها، هي الصحافة الحرة الحزبية والنقابية التي تمثل الطبقات الشعبية العاملة والفقيرة، هي الاستقلال الكامل للأحزاب والنقابات المهنية والنوعية عن سلطة الدولة وقدرتها على الدفاع الحقيقي عن حقوق وحريات الطبقات الشعبية وحمايتها من نفوذ وسيطرة السلطة، هي استقلال القضاء وحمايته للمواطنين من شبح المحاكمات العسكرية والاستثنائية، هي كل ماتستطيع الجماهير انتزاعه من مكاسب اجتماعية واقتصادية كالتطبيق العادل للأجور بحديه الأقصى والأدنى وربط الأخير بغلاء الأسعار، وتحقيق بيئة عمل مناسبة وآمنة، وتطوير حياة الفلاحين والحد من المخاطر المحيطة بمجتمعهم الريفي وأراضيه، وتقديم رعاية صحية متكاملة ومظلة تأمين صحي شاملة، وتطوير التعليم ومناهجه بمختلف مراحله وحماية مجانيته، والمساواة الكاملة بشكل ينص عليه الدستور بعيدا عن أي تمييز بسبب الدين أو العقيدة أو النوع ذكرا أو امرأة، وإعادة صياغة الدستور بشكل واضح وحاسم يفصل بين السلطات ويتضمن كل الحقوق والحريات والواجبات بعيدا عن أي مجاملات دينية أو حزبية ومتوافقا مع المعايير العالمية لمواثيق حقوق الانسان، الديمقراطية الشعبية قادرة على فرض سيادة القانون عن طريق نضالاتها المتواصلة، باختصار: الديمقراطية الشعبية تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه ولصالح نفسه.
ومما لاشك فيه أننا أمام جبل هائل من المجهودات والتضحيات والتحديات لخلق ديمقراطية شعبية تحتاج لطاقات الثورة التي يجب ألا نبددها في صناعة مؤسسات تشريعية ورئاسية هزلية عديمة النفع ولاقيمة لها ولاطائل منها، كما أن مواصلتنا للنضال الشعبي تدعم قدرتنا على إجبار السلطة الحالية واللاحقة على تلبية مطالب الثورة التي ستكون الضمانة الفعلية لانتظام الحياة الطبيعية واعادة البناء والإنتاج بشكل منسجم مع تطورات الثورة التي لا تريد بالطبع الفوضى، بل تسعى لإنصاف الشعب وامتلاكه للقدرة على انتزاع حقوقه وحرياته وأدوات نضاله ليس فقط للتطلع لحياة كريمة انما كذلك إلى التصنيع والتحديث الشامل لانقاذنا من المصير البائس الذي نسبح في اتجاهه بسرعة مرعبة قد نغرق معها في بحر الانهيار الشامل.

السبت، 6 يوليو 2013

أحمد سعده يكتب : المجتمع المصري بين الأوضاع الراهنة وآفاق التحدي

أحمد سعده
أحمد سعده يكتب : المجتمع المصري بين الأوضاع الراهنة وآفاق التحدي

 في ظل الحالة المعنوية المرتفعة والمشاعر الايجابية لدى غالبية المصريين بعد تصور الإطاحة بشبح الحكم الاخواني، والأوهام والأساطير التي ولدت خلال الفترة الحالية حول مستقبل مصر الباهر البراق، لايسعني إلا أن اكون حقيقيا وواقعيا في تقديمي وتحليلي للأوضاع الراهنة واللاحقة للمستقبل المصري بكل مايتهدده من أخطار بعيدا عن الشوفينية الكاذبة التي تفرش لنا مستقبل وردي يتناقض تماما مع أوضاعنا الحقيقية، ففي مجتمعات الاستغلال، والقمع، والأصوليات الدينية، والتدخلات العسكرية الداخلية، واللإمبريالية الخارجية، والتمييز، والشحن الطائفي، والتبعية الاقتصادية، وغيرها، لا يبقى أمامنا سوى الأخطار الكئيبة التى تحوم كشبح أسود ثقيل فوق سماء المصريين.
وقد وجدت أنه ليس من التهذيب أو الأدب أو المهنية أن أستمر في إيلام الناس واحباطهم بالإشارة الدائمة للأخطار والكوارث، غير أن الحديث العميق والتنبيه عنها قد يساعد بشكل أو آخر في تفاديها، أو يفتح أبوابا للخروج منها ولو بشكل جزئي قبل الوصول لمرحلة يصعب معها العودة، مع العلم تماما أن هناك بالفعل مايسمى اللاعودة، وعن نفسي لا أدعي أنني أملك حلولا للخروج مما نحن فيه، غير أني على يقين أن ما يواجهنا في مصر هو ذلك التحدي العنيد متمثلا في التحديث الشامل والتنمية صناعيا وثقافيا وبشكل سريع، فى سباق رهيب غير محموم مع الزمن الذي صار يحاصرنا ويوشك بنفسه على أن يحدد مصيرنا، فهل نكون بقدر التحدى..؟
  أعتقد أننا لم نبدأ التحدي بعد في ظل مجتمع مزدوج ينخر فيه السوس بصورة تؤدي لشيطنة الآخر وتفسح المجال واسعا لاضطهاد الإنسان لأخيه الانسان في غياب لثقافة الاختلاف وتضعنا من جديد أمام السيناريو القبيح الذي طالما عانت البشريه ويلاته وشروره وفظائعه والذي أدى لتقسيم المجتمع المصري على أسس أيديولوجية ودينية خلقت مناخا طائفيا موجها ضد كل الأغيار، وتحولت معه المساجد إلى منابر لدعم الاسلام السياسي بل والتحريض ضد الأقباط والمرأة وضد الثوار، فالآخر دائما شيطان مريد، بل وجعلت سفك الدم المصري رخيصا وحلالا وأحيانا واجبا وفريضة، نحن إذن بصدد فئتين: الاسلام السياسي بقيادة الاخوان المسلمين ومؤيديهم من ناحية وباقي الفئات من الشعب من ناحية أخرى دخلوا فى الصراع الحاسم النهائي، وتحول كلا منهما في نفس اللحظة إلى شيطان سولت له نفسه أنه ملاكا مهمته المقدسة تطهير المجتمع المصري من كل الشياطين، فلا مفر إذن من حرب أهلية بلا هوادة لا يعلم مداها إلا الله.
والحقيقة أن الأخطار التي تواجه مجتمعنا المصري ليست فقط على مستوى الانقسام المجتمعي أو التراجع الاقتصادي والثقافي، ولا حتى الأخطار البيئية الكارثية ومياه النيل والأوبئة والعشوائيات، وهزال الإنتاج والاقتصاد والتجارة الخارجية، وتدهور كافة الخدمات على كل المستويات، وباء التدخلات العسكرية فى الحياة السياسية، وباء الفساد المنفلت، الفقر والجوع والمرض والأمية، تدهور الرعاية الصحية، والتدخل الأمريكي الواسع النطاق فى كل المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، هذا في ظل اصرار كل أيديولوجيا على تقديم نفسها على أنها هي الحل السحري دون غيرها، فالليبرالية هي الحل، والشيوعية هى الحل، والإسلام هو الحل، والديمقراطية هى الحل، غير أننا لا نرى أمامنا أي حل ولانرى الا استمرارا لمعاناة وشقاء المواطن المصري في سياق علاقات القهر والاستغلال، ذلك لأن الواقع الاقتصادي والاجتماعي هو من يخلق الايديولوجيات وليس العكس، الأخطر من كل هذا أننا لايمكننا النظر إلى تلك الأخطار المحدقة رغم بشاعتها على أنها وضع ثابت لايتغير، فالوضع الراهن إن لم يتحسن فإنه لا يبقى على حاله، لأن عدم التقدم للأمام لا يعنى سوى التقهقر للخلف، وتتابع الأخطار والتحامها يجعل منها خطرا كبيرا متوحشا يهدد حتى بقاء المجتمع المصري ويقوده إلى الانهيار الشامل.
 الوقت يداهمنا ويسرقنا وأمامنا جبال من الجهود للتطوير والتحديث الاقتصادي والصناعي، فالصناعة الحديثة هي عصب أي اقتصاد، فلا حديث عن سياحة أو بنية أساسية وخدمية أو زراعة متطورة دون الحديث عن الصناعة التي تغذي وتطور كل تلك العناصر، صناعة تساعد في زيادة الصادرات الصناعية، وتحد من صادرات المواد الأولية والنفطية والزراعية، ورغم كل شعارات الأنظمة المتعاقبة بداية من ناصر ونهاية بمرسي لم ننجح في إقامة صناعات ثقيلة حقيقية، واعتمدنا على الزراعة بأساليب تقنية بدائية ووسائل انتاج تقليدية لاتحقق سوى انتاجية متدنية تطحن معها جهد ملايين الفلاحين وفقراء الريف، ولا أمل فى أن تستوعب الزراعة في الريف معدلات البطالة التي تتفاقم بصورة مرعبة في بلد لا يحسن فيه غالبية سكانه سوى الإنجاب، لتولد أجيال تعاني من سوء التغذية وسوء التعليم بمستقبل مجهول، لتصير أسطورة الثروة البشرية المصرية نوع من الأوهام، فالعبرة ليست بوجود الملايين من الأيدي العاملة تفتقر للتدريب ويواجه غالبيتها شبح البطالة، بل العبرة بوجود عمالة تمتلك خبرات عملية في صناعات متطورة وزراعة حديثة وأقسام أخرى من اقسام الاقتصاد، ولو انتقلنا للاقتصاد الريعي متمثلا في السياحة في بلد يملك من آثار تمتد لأكثر من سبعة آلاف سنة اكثر ماتملكه بلدان العالم أجمع، اضافة لامتداد سواحل البحار ونهر النيل، ورغم هذا وذاك فإننا نعاني تخلفا شديدا في أرقام وأعداد السياح في مصر مقارنة بدول لاتملك معشار مانملكه، لضعف الخدمات الفندقية والبنية الأساسية والإهمال الإجرامي للآثار الفرعونية والقبطية والإسلامية، ومافيا سرقة وتجارة الآثار، والإهمال ليس فقط على مستوى السياحة بل امتد لقناة السويس المهملة خدميا واستثماريا بما يؤدي لفقد أضعاف مايتم تحقيقه حاليا، ثم نتحدث بعد ذلك عن تأجيرها أو بيعها في مزاد بيع مصر لصكوك دولة قطر، ولاننسى اتجاه حكوماتنا المتعاقبة للاقتراض الخارجي وبدون خطة حتى لاستثمار تلك القروض بما يغرقنا في بحر من الديون تجعل منا خادما وممولا للدول الدائنة، وبالتالي ازدياد لفقر الفقراء وبؤس البؤساء، ولاتنزعجوا حينما ينمي إلى مسامعكم أن أكثر من سبعة ملايين مصريا يعيشون في العشوائيات والمقابر، فى بيئة خصبة لتفشي الأوبئة الناتجة عن سوء التغذية والجوع، في ظل حالة من التبلد واللامبالاة في مواجهة الأخطار الصحية الكارثية التي تفترس بڤيروساتها الكبدية وغيرها ملايين المصريين، وكنتيجة حتمية للفساد المتفشي والمدمر لكل أساس اقتصادي، يعيش غالبية الفقراء تحت خط الفقر المدقع في صراعات مخيفة مع الحرمان وتراكم الديون، كعامل مساعد غضافي وبيئة خصبة للجريمة والعنف خاصة مع استفحال التضخم والبطالة، وتدهور مستويات الأجور لتصبح كل مكتسبات الطبقات الشعبية والعاملة معرضة للتبخر والهجوم المتواصل حتى تلك التي تحققت بفضل ثورة المصريين ونضالهم.
وبالانتقال الى أخطار اخرى متعلقة بمصادر الطاقة والموارد الطبيعية، فالأمر كارثي، فيكفي الاشارة الى أن هناك أكثر من ستين شركة أجنبية في قطاع صناعة النفط والغاز المصري بما يعني أننا مازلنا قبل مرحلة القدرة على الاستخراج والتصنيع، إضافة لمذلة تصدير الغاز المصري لاسرائيل بأسعار أقل حتى من أسعار تكلفته، ويكفي أن ننظر للشارع المصري لنلمس بأنفسنا أزمات البنزين والسولار وانقطاع الكهرباء بشكل يشل الحياة المصرية ويضربها في مقتل، مع احتمالات تزايد الأزمة في ظل الصراعات الطبقية والسياسية داخل المجتمع بما يجعلها خطرا حقيقيا، وعن الثروة المحجرية والمنجمية فلا توجد أي رؤية تطويرية ومنجم السكري رغم كل نداءات الاستغاثة لوقف سلبه ونهبه الا أنه يمثل نموذجا فاضحا لإهدار مواردنا في غياب كامل لإدارة الدولة، وعندما أتحدث عن الماء فإنني اتحدث عن الحياة اتحدث عن كل شيء حي، فما الذي قدمته حكوماتنا أمام التقارير التي تشير الى ارتفاع منسوب مياه البحار بشكل قد يغرق دلتا مصر في كارثة كبرى لم نواجهها للآن، وماذا قدمنا بصدد احتمالات انقطاع هطول الامطار على هضبة أثيوبيا وانتقالها للصحراء الشرقية بما يعني جفاف النيل، هل سنظل نتعامل مع تلك الأزمات بمنطق الدعاء، وللآن لم يتم ادخال وسائل حديثة في الري تعمل على ترشيد استهلاك مياه النيل، ولا اعتماد على المياه الجوفية ومياه الآبار، ولا تحلية لمياه البحر رغم أننا في حضن بحرين، بما يعني عجزنا عن استصلاح ملايين الأفدنة والأسوأ من ذلك تعريض سكاننا لمواجهة خطر الفقر المائي خاصة مع المستقبل الغامض لمياه النيل في ظل سد النهضة الاثيوبي الذي قد يزيد من مأساة انقطاع الكهرباء وربما العطش وربما يدفع بنا لخطر حروب المياه، وطبعا فالمسئولية لم تكن فقط على الاخوان المسلمين انما تمتد لعشرات السنين السابقة التي تجاهلت فيها أنظمتنا تعميق المصالح المتبادلة مع دول أفريقيا وبخاصة حوض النيل، التي كان من شأنها أن تضع مصر داخل معادلة رسم وتخطيط سياسة توزيع مياه النيل بشكل عادل استنادا إلى المصالح الاقتصادية المتبادلة، ولا استثناء لأي من العهود السابقة في هذه الأزمة حتى عهد عبد الناصر رغم اهتمامه بدول افريقيا، حيث اقتصر اهتمامه فقط على مستوى العلاقات العامة في غياب لعمليات خلق وترسيخ علاقات التبادل التجاري والاقتصادي، وتنحصر مسئولية الاخوان في تحويل المشكلة الى أزمة من خلال مهزلة اجتماع الأمن القومي السري العلني والاقتراحات العنترية لساستنا الأغبياء بتهديد الأمن الداخلي والخارجي للشعب الاثيوبي وغيرها من غباءات أصبحت بمثابة أدلة موثقة من شأنها إضعاف الموقف المصري حال اللجوء للقضاء الدولي ومجلس الأمن، وتواصلت تهديدات قيادتنا السياسية التي أعلنت ان كل الخيارات مفتوحة، رغم الشكوك في قدرة مصر على اتخاذ أي موقف تصعيدي ينزلق بنا الى حرب في أدغال وهضاب وتضاريس أثيوبيا ينتهي بعودة جيشنا بهزيمة محققة في ظل الدعم الدولي ودعم دول الجوار ومنها السودان للموقف الاثيوبي،
قد لايكفي مقالي للحديث العميق عن كل الأخطار، لكننا بالفعل أمام حياة مجتمعية وثقافية وسياسية ممزقة تحمل في طياتها أخطارا لاحصر لها ولاعدد، وفي ظل هذه الكآبة تغدو مصر أرضا خصبة لتخريب الشركات العابرة للقارات وعصابات المخدرات وانشطة الجاسوسية بشكل ننزلق معه بسيقان عارية في مستنقع الخراب العاجل.
  لكن بإمكاننا أن نسير على درب الاستثناء وأن نكون على مستوى التحدى شرط أن ندرك جبال الجهود المطلوبة منا، والمتواضعة قياسا بكل ما أنجزته الثورة المصرية، ولاسبيل لنا من التحديث والتطوير والانتقال لنمط انتاجي صناعي الا بكسر الحلقة الشريرة للتبعية الاقتصادية، للافلات من المصير المرعب لفناء المجتمع المصري وانهياره، قبل أن يداهمنا الوقت، إن لم يكن قد داهمنا بالفعل.

السبت، 11 مايو 2013

أحمد سعده يكتب: تنتصر الثورة عندما ندمر تلك الدولة

أحمد سعده يكتب: تنتصر الثورة عندما ندمر تلك الدولة
أحمد سعده

أحمد سعده يكتب : تنتصر الثورة عندما ندمر تلك الدولة ..
الدولة المصرية بالمعنى القانوني هو ذلك الإقليم الجغرافي الذي عليه نعيش، أما المعنى الآخر الذي عادة ما نتجاهله فهو هذا الكيان المؤسسي والاجتماعي المتكون من رئيس وحكومة وجيش وشرطة وقضاء وبرلمان ودستور وقوانين وظيفتها تيسير وتسيير مصالح الطبقة المالكة أو الحاكمة بالوساطة، وتنظيم استغلالها واحكام سيطرتها سياسيا وفكريا، وحينما يكون المجتمع طبقيا كمجتمعنا فإن محاولات تدمير تلك الدولة بكل ما تحمله من استغلال وفساد واضطهاد لا يعني سوى تحويل البلاد لغابة حقيقية طالما لم يتواجد البديل المقنع وهو المجتمع اللاطبقي، وعلى نفس السياق فإن الوطن ليس فقط هذا النهر وذاك البحر وتلك الصحراء بل هو الشعب الذى ولد وعاش علي هذه التضاريس وسخرها كي تكون بيئة ملائمة ينتمي اليها المصريون ويعتزون بها كموطن ووطن، يدعي القائمون على استغلاله وسرقته أنهم وطنيون رغم أنهم ليسوا أكثر من مستعمرين وأعداء داخليين.
ومن هذا المفهوم السياسي والاجتماعي للدولة يمكن تحليل الأوضاع الراهنة لأهم قسم من أقسامها الاجتماعية الحالية وهو الاسلام السياسي.
الإسلام السياسى كيان ضخم يضم الآلاف في هيكله التنظيمي والملايين من الفقراء والبسطاء ككتلة مؤيدة وانتخابية فكرتهم الأساسية أن الحل لكل الأزمات الاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية هو الحكم بشريعة الله، وكيف لا، وكل الدعايا التي يوجهها قادتهم اليهم لاستقطابهم واستمالة قلوبهم هي (الحاكمية لله) و (الاسلام هو الحل)، شعارات تصور وتقدم الإسلام على أنه الحل السحري الذي سينهي بؤس البؤساء وسيقضي على فقر الفقراء ويقيم دولة العدل الاجتماعي المنشودة، الإخوان المسلمون على رأس الإسلام السياسي توسعوا اقتصاديا بشكل رهيب منذ أواخر الثمانينات وأصبحوا باقتدار حلقة مهمة في سلسة الرأسمالية التابعة في مصر، وأصبحت الرأسمالية المصرية التابعة مع نشوء وظهور رأسماليين اسلاميين في حالة انقسام واضح فلم تعد تقتصر فقط على الرأسماليين القوميين أو الوطنيين، لكن رغم هذا الانقسام الا أن الأنظمة السابقة لم تسمح للرأسمالية الإسلامية بفرض النفوذ أو حتى المنافسة إلا في الحدود التي منحوها اياهم مستغلين في ذلك القوة الاقتصادية والأمنية الساحقة في قمعهم أو عقد الصفقات معهم حسبما تقتضي ضرورات احتياجاتهم أو الاستعانة بهم كفزاعات لتبرير بقاء أنظمتهم رغم ديكتاتوريتها، وقد يعتقد الكثيرون أن التفسير الذي يدعم فكرة استنجاد نظام مبارك بالإخوان المسلمين أثناء الثورة نوعا من التجني وإيغالا فى التوهم والتوجس والشك وسوء الظن بهم، لكن معطيات الأحداث من انتقالهم مباشرة من الميدان إلى التفاوض مع القتلة ثم إلى التحالف ضد الثورة بتلك السرعة الصاروخية يدعمان جديا هذا الاحتمال، واستمروا في لعب نفس الدور مع المجلس العسكري بتوفير غطاء عدواني وهجومي وفكري وجماهيري ضد الثورة و نضالاتها فى تأييد غريب وتبرير مستفذ على طول الخط للقمع والمذابح العسكرية ضد الثوار، ليس هذا فحسب بل إرهاق الثورة واقحامها في معارك دستورية وقانونية وسلسلة من الاجراءات والتدابير والاستفتاءات والانتخابات البرلمانية والرئاسية لإبعاد الثورة عن المسار الثوري والنضالي وتبني المسار الانتخابي، ومن هنا انصرفت مئات الألوف من الجماهير إلى صناديق تزييف إرادتهم وكان آخرها الاستفتاء على الدستور اللادستوري، وتباهت المعارضة والقوى السياسية بنسبة الثلث التي قامت بالتصويت بـ (لا) في تجاهل تام لحقيقة انها منحت الشرعية والاعتراف الضمني للدستور وجمعيته التأسيسية الملفقة تلفيقا بفضل تضليل الإخوان وحلفائهم من السلفيين، واستمر صراع الأخوان للسيطرة على الاقتصاد والسلطة وأخونة الدولة والمجتمع على طريق التمكين للحكم الديني، وأسس الاخوان المسلمون لفكرة اعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس من التوافق، لكن عن أي توافق يتحدثون؟ ونحن أمام فصائل سياسية متعددة ومتناقضة من حيث مصالحها وتوجهاتها الفكرية، كيف السبيل للتوافق في ظل هذا الصراع المرير بين معسكري الثورة والثورة المضادة، وكانت تلك أحد الخطايا الكبرى للثوار بمن فيهم زعماء القوى الثورية أصحاب الخبرات السياسية الذين سعوا للتوافق انطلاقا من خرافة أن الإسلاميين والعسكر والليبراليين واليسار هم قوى الثورة وأن قوى الثورة المضادة هم فقط الفلول والشرطة، وكانت النتيجة المخيبة هي نجاح الإسلاميين والعسكر في إخلاء الميادين وإعادة الشعب الى حظيرة النظام، باعتبارهم جزءا من الثورة وزعم العسكر بأنهم حماتها وزعم الإخوان بأنهم هم الثورة لحما ودما، لكن الأسوأ من ذلك هو استمرار نفس القوى في الركض خلف حوار وتوافق وطني مشروط بضمانات لا تلقى احترام مندوب الإخوان في قصر الرئاسة (أقصد مرسي) ولا حتى احترامي، بل صدق بعضهم مزاعم الإخوان في أن الثورة تعوق نهضتهم وتقف حائلا دون عودة الاستقرار وعجلة الإنتاج، والحقيقة أن الاضطرابات السياسية والأمنية ليست بسبب الثورة إنما هي في الأصل نتاج الصراعات الأمنية والسياسية بين الثورة والثورة المضادة التي يتمثل جل أهدافها في إنقاذ الطبقة الرأسمالية من طوفان الثورة، وهو هدف رئيسي ومشترك يستوي فيه الإخوان والعسكر والليبراليون اليمينيون لانتمائهم لنفس طبقة الرأسمالية التابعة رغم الاختلاف الفكري وتناقض المصالح الذي عجزت القوى الثورية العفوية في استثماره أو ادراكه لقلة الوعي الثوري أحيانا وعدم النضج الكافى لمعظم قيادات الثورة أحيانا أخرى، والتي مازالت لاتدرك حتى الآن أن الديمقراطية التي ينشدونها في ظل تبعية استعمارية واقتصادية لن تحقق في افضل الظروف أكثر من ديمقراطية فوقية يستحيل وصولها للطبقات الشعبية من أسفل سواء كان الحكم اسلاميا أو عسكريا أو قوميا أو شيطانيا، وللأسف فإن معارضة الحكم الإخوانى في مصر تمحورت حول رفض اجراءات وقرارات وسياسات وأفعال وآداء الإخوان المسلمين دون الرفض الكلي والأساسي للحكم الديني وسلوكه وأدواته الحزبية والتنظيمية وظهر ذلك واضحا في استجابة بعض القوى أحيانا لمبادرات بعض الاحزاب الدينية كحزب النور، واستمرت محاولات التوافق وحكومة الوحدة الوطنية التي تجمع في رحاها جميع القوى السياسية، وأصبحت أخونة الدولة والمجتمع واقعا فعليا لوهم التوافق باستبدال واسع النطاق وفائق السرعة لغالبية المناصب الادارية والمحافظين والحكومة بأهل الثقة من الإخوان، بل فرض أفكارهم وأيديولوجيتهم على الاعلام الرسمي المرئي منه والمسموع وعلى المناهج الدراسية في مختلف مراحلها، وفي تحقير المرأة والعنصرية ضد الأقباط، والهجوم على القضاء وقمع الثورة واستهداف الثوار في سبيل تصفية الثورة تدريجيا.
وعلى نفس طريق المعارك الدستورية والقانونية كانت الاعلانات الدستورية المتلاحقة التي من خلالها نفخ الرئيس مرسي في روح مجلس الشورى بتلفيق وظيفة التشريع لمهامه وإقحام هذا التلفيق فى عصب الدستور الإخواني السلفي، بل وقام بتوسيعه عدديا عن طريق تعيين تسعين عضوا بقرار رئاسي مباشر لاضفاء مزيد من الأخونة والسلفنة عليه، اضافة لتحصين قراراته شخصيا وتسليحها ضد طعون القضاء ثم تعيين نائب عام إخواني جديد بشكل لا قانوني مريب واقالة النائب العام القديم (غير مأسوف عليه عموما)، وحينما يتم الانتهاء من قانون الانتخابات واقراره سنكون بصدد انتخابات البرلمان الذي صار بمشيئة الله مجلس (النواب) بعد أن كان مجلس (الشعب) لتكتمل به دائرة السلطة التشريعية الاخوانية المزينة بمعارضة هزيلة وضعيفة.
ولأن (الحاكمية لله) و (القرآن دستورنا) هي شعارات تاريخية للإخوان المسلمين أصبح المجتمع المصري الفقير روحيا وفكريا وثقافيا إزاء إضفاء قدسية دينية وتقديس وتديين لحكم البشر بادعاء الحكم بالله، رغم أنهم ليسوا أكثر من بشر تحكمهم الظروف والاوضاع الاجتماعية والاقتصادية التاريخية البشرية، والحقيقة العارية هي أن المجتمع لا يسوده فضائل القانون الإلهي إنما يسوده الحقائق المادية والاقتصادية للقانون البشري مهما تحلى وتزين بادعاء الفضائل. ومهما وضعنا في الدساتير البشرية الصنع من مواد تأكيدية على (إسلامية الدولة) أو (مسيحيتها) أو (يهوديتها) فلا جدوى من وجودها، ذلك ان شعار (الإسلام دين الدولة) يعطي معنيين سلبيين أحدهما أن يلتزم الإسلام بالدولة ومعناه أن يكون الاسلام في خدمة الدولة أي في خدمة الاستبداد والظلم والاضطهاد والفقر والتبعية، والثانى أن تلتزم الدولة بالإسلام بمعنى ان تلتزم الدولة التى هى الاستبداد والظلم والاضطهاد والفقر والتبعية بأحكام وسنن الإسلام وهذا لا يعدو أكثر من تزيين للدولة البعيدة كل البعد عن الفضائل التى تتحلى بها سائر الأديان السماوية والأرضية، وهذا أكبر تضليل للجماهير، فالمفهوم الحقيقي عادة للدولة مرتبط بالاستغلال، وحينما نقول أن الاسلام دين الدولة فكأننا نقول أن الاسلام دين الاستغلال.
انها الصعوبة البالغة التي تواجهها دول العالم الثالث الفقيرة ثقافيا وروحيا حينما تحاول الانتقال والعبور لديمقراطية حقيقية تفتح لها أفقا جديدة للصناعة والتحديث والتطور حيث تعرقلها اليمينية الدينية، أمريكا وجدت ضالتها تقريبا في حكم الاخوان المذبذب في مصر والذي أثبت انه أكثر خضوعا وتبعية وامتثالا من نظام مبارك، حكم الإخوان المزعزع يحتاج لمزيد من الترسيخ والتمكين أدى به للتعاون مع أمريكا وإسرائيل مقابل التأييد والعون والدعم من قطر والسعودية، وبذلك تورط الاخوان في علاقات مريبة خارجية ودولية خاصة مع (حماس) أثارت شكوكا مرعبة حول مستقبل سيناء وحلايب وشلاتين وأيضا قناة السويس التي دارت شبهات كثيرة حول صفقات بيعها لقطر عبر مشروعات وهمية تدار عبر مرسي مسئول ملف الرئاسة لمكتب الارشاد الذي تتوافر روايات يشيب لها الولدان حول أسباب اعتقاله في الأيام الأولى للثورة وتخابره لصالح جهات أخرى وطريقة هروبه من السجن على أيدي حماس واتصاله بقناة الجزيرة القطرية رغم انقطاع الاتصالات.
من كل تلك الأمور نجد أنفسنا امام صدام وشيك ومحتمل بين الأخوان المسلمين من جانب وبين قطاعات حاسمة تابعة لنفس الطبقة الرأسمالية من جانب يساندها الجيش والقضاء والاعلام لايسعنا معه سوى دعاء أمي (رحمها الله) (اللهم اضرب الظالمين بالظالمين)، وهذا الصدام من شأنه القضاء على الحكم الإخواني وعلى الاسلام السياسي في مصر بأحزابه وألياته التي قادت إليه لعقود قادمة، تؤدي بالتالي لحالة من المشاعر الايجابية وتجدد الآمال الذي تولد معه أسطورة جديدة تتغنى باسقاط حكم الاخوان الذي سيضع حدا لنهاية الآلام وتنفس صعداء الديمقراطية، ولن يكون مثل هذا الادعاء سوى ضربا من الخيال واغراقا في الرومانسية، ذلك ان القوة الحقيقية القادرة على اسقاط هذا الاخطبوط الاخواني هي القوة العسكرية الفاعلة التي لاتعرف على مر الأزمنة والأمكنة أي معنى للديمقراطية بل ستحاول مجددا في فرض أسلوبها بمساندة اعلامية متوقعة تلوح بوادرها في الأفق من الآن، كما أن البؤس والحرمان الذي يعم الجماهير يجعل منها طرفا خارج معادلة التمتع بديمقراطية من أسفل خصوصا مع التسليم بحقيقة أن الرأسمالية المتخلفة غير قادرة بحكم هذا التخلف وتدني إنتاجها على تلبية الحد الأدنى من مطالب تلك الجماهير أو توفير سبل عيش وحياة كريمة.
لكن تبقى الثورة مستمرة وتبقى القوى الثورية تناضل وتحقق مكاسب شرط أن تتيقن أنها ليست مرشحة للحكم على الأقل حاليا، وأن تتخلى عن فكرة أنها ستتولى سلطة الدولة او ان التغيير الديمقراطي قد يتم في هيكل الدولة، لكن عليها بتطوير وسائل النضال وأدواته في اتجاه بناء ديمقراطية شعبية حقيقية من أسفل.

الأربعاء، 8 مايو 2013

أحمد سعده يكتب: كابوس الدولة الدينية

http://new.elfagr.org/Detail.aspx?nwsId=322523&secid=19&vid=2
أحمد سعده


لم يعد خافيا على الكثيرين الواقع المرير والتطور الكئيب الذي صار معه المصريون أمام احتمال مصير مأساوي حال نجاح تيار الإسلام السياسي في فرض كابوس الدولة الدينية كأمر واقع، خاصة مع توطن كل الآفات المادية والاجتماعية في مجتمعنا وبعد أن أصبحنا بجدارة معقل الأيديولوچيات الدينية السياسية ومركز اشعاعها وبالتحديد الاسلام السياسي، أضف لذلك تنامي حالة الفقر المادي والعقلي والروحي لقطاعات جماهيرية واسعة مما يمهد الطريق أمام مزيد من ترسيخ وتوطيد الأيديولوجيا الدينية السياسية بشكل لم يعد له مثيل في بلدان العالم الصناعي حاليا، ومع رفض أي مساس او مواجهة أو نقد متبادل بين العلوم الانسانية والطبيعية وبين الدين فلا غرابة في احتجاج وغضب أصحاب المعتقدات الدينية إزاء أى إساءة أو ازدراء أو تسفيه لمعتقداتهم والتشكيك والتوجس والريبة والعدوانية أمام أي بحث علمي يتعمق في الدين واعتباره نوعا من أنواع الهجوم والغمز واللمز خاصة في منطقة لم تمر بعد بمرحلة النقد الفكري والفلسفي والعلمي والواقعي للمعتقدات كما حدث مع الدين المسيحي في أوروبا الحديثة.
الفارق كبير جدا بين الإسلام من جهة وبين الإسلام السياسي من جهة أخرى، لكن مايفعله قادة الاسلام السياسي من تسييس للدين وتديين للسياسة ليس إلا محاولة واضحة منهم لجعل الأمرين متلازمين لتأليه أنفسهم والعلو فوق أي نقد أو معارضة فتصبح اهانتهم أو رفضهم أو المساس بهم بمثابة اهانة ورفض ومساس بالإسلام، ويصبح الاستبداد والطغيان والفساد في الأرض بدعوى الحاكمية بالله رغم أن الله لايحكم بنفسه إنما ينزل في الهزيع الأخير من الليل ليغفر لمن يستغفره ويستجيب لمن يدعوه، كما أن هؤلاء البشر الذين يدعون الحكم باسم الله الواحد وشريعته محكومين بطبيعتهم بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والقانونية السائدة والمحيطة، لكن بفاشية وطغيان مغلف بطابع إلهي لممارستهم البشرية اللا إنسانية، إضافة للقدرة العجيبة في الافلات من أي جريمة دون عقاب خاصة جرائم الإرهاب والعنف والتعذيب والترويع والقتل والمذابح أو بحد أدنى تبرير تلك الجرائم، حتى لو كانت الجريمة هي تشويه المجتمع المصري والعربي باسلامه ومسلميه وقرآنه وأقباطه وانجيله من خلال تبني سلوك عنيف ومدمر أحيانا بتعبئة الجماهير من خلال استثارة حماستهم الدينية المتوجسة تجاه الآخر واستخدامهم كوقود أحيانا فى صراع الثورة والثورة المضادة إذا اقتضت الضرورة القضاء على ثورة الشعب واحراقها في أتون صراعات دينية أو فتنة طائفية، كما كان رد الفعل مثلا ازاء الرسوم او الفيلم المسىء للرسول الكريم أو ازاء أحداث العنف الطائفي الأخيرة ليصبح رد الفعل أكثر اساءة لله ورسوله من الفعل نفسه.
الإسلام السياسي في مصر بقيادة الاخوان المسلمين يسير على درب دول عديدة عملت على استخدام اسم الله والدين في فرض حكمها كواقع على محكوميها كدولة الخلافة العثمانية التي قامت على فكرة الإسلام ولم تشهد أي ازدهار مقارنة بمحاولات النهوض الصناعي في أوروبا بل وأثرت سلبا على نمو منطقتنا وركودها وخصوصا مصر، وهناك المملكة السعودية التي نشأت على يد تنظيم سلفي مسلح بزعامة محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود فجعلوا منها وللآن قلعة حديدية محصنة ومزينة بادعاء الفضائل المنصوص عليها في الاسلام وسائر الأديان السماوية والأرضية بينما على أرض الواقع تمارس نوعا من أشرس أنواع التطرف والدنيوية والاستغلال والفساد والاستبداد والظلم بفرض الذات والنفوذ على شبه الجزيرة رغبة في بقائها كمملكة ظلامية ظالمة خارج التاريخ كحالة خاصة وشاذة جدا في عالمنا، وهناك أيضا دولة باكستان وقامت على أساس الأيديولوجيا السياسية الاسلامية والتي تزامن قيامها مع قيام دولة إسرائيل على أساس الأيديولوجيا السياسية اليهودية، ومن بعدهما إيران، وكلها نماذج لدول قامت على الاستغلال والاستبداد بحكم طبيعتها الاستثنائية الدينية التي يحكم فيها البشر حكمهم المستبد الظالم باسم الله العادل.
 الحكم الاسلامي المتوقع في بلدان الربيع العربي بقيادة مصر ورعاية الولايات المتحدة ودعم ملوك الخليج لن يأتي سوى بالخراب العاجل هذا بالطبع في حالة عجزنا عن مقاومته خاصة أننا بصدد منطقة متخلفة صناعيا ان لم تكن شديدة التخلف أمام مجتمعات الاستغلال الرأسمالي المتوحش والفساد والاستبداد المدجج بأسلحة التكنولوچيا الحديثة والرهيبة، مجتمعات يستغل فيها الإنسان أخيه الإنسان، والاخوان في ظل هذا وذاك يتغنون بوصفهم دولة تحكم بشريعة الله مع أن مضمونها الفعلي لن يكون سوى مزيد من التبعية والإفقار في ظل تبني الإخوان لبرامج اقتصادية رأسمالية ليبرالية لن تؤدي الا لتعميق التبعية والامبريالية الاستعمارية.
قد يبدو المناخ المادي والروحي والثقافي والسياسي للجماهير ملائما حاليا للإخوان المسلمين لتمرير مخططهم الأخطبوطي نحو إقامة دولة دينية من خلال استحواذ شبه كامل على سلطة الدولة ومراكز قوتها، لكن الحقيقي أن الوضع أعقد كثيرا من مخططات وتكتيك قادة الإسلام السياسي حيث أن هناك بالفعل قطاعات في المجتمع تقاومها وتعاندها بكل جرأة واستبسال، كما أنهم أمام جماهير منتفضة بحكم طبيعة الموقف الثوري الذي حررهم من الخوف والسلبية، أمام جماهير تريد (الآن وحالا) إحراز طفرة فى أسلوب حياتها ومستوى معيشتها على طريقة (الليلة ياعمدة)، إضافة للتناقضات الكثيرة فى معسكرات الثورة المضادة التى يمثل الاسلام السياسي أحد أهم اقسامها المتعددة.
وبالتالي فإننا أمام صراع طويل بين فعل الايديولوجيا الدينية ورد فعل القطاعات الرافضة واستمرار هذا النوع من الفعل وذاك النوع من رد الفعل يعتمد بالأساس على المناخ الثقافي والاقتصادي والاجتماعي الحالي بما يحمله من فقر مادي وروحي، ولن ينتهي إلا بإقامة حياة تعلو فيها قيم الاعتدال ويسودها التسامح بين معتنقى المعتقدات المختلفة بدلا من التعصب الأعمى ومحاولة استخدام الدين للوصول لمطامع سياسية أو استخدام السياسة لخدمة معتقد ديني فالأصل أن الدين والسياسة في خدمة المجتمع.

الثلاثاء، 7 مايو 2013

اتحاد عمال البترول يستنكر أخونة القطاع بتعيين الوزير الإخواني هدارة

بعد أيام من احتفال عمال البترول بعيد العمال تلقينا خبر كالصاعقة بتعيين المهندس الاخواني شريف هدارة وزيرا للبترول لتتأكد شكوكنا السابقة بأن نقله لرئاسة الهيئة انما كان خطوة كارثية على طريق تنصيبه لحقيبة البترول رغم كامل علمنا بضعف شخصيته وقلة كفاءته وهي صفات مطلوبة لثقة مكتب الإرشاد وبوساطة زميله الإخواني أيضا خالد الأزهري وزير القوى العاملة الذي لايملك من سيرة ذاتية إلا أنه كان رئيسا نقابيا لشركة الأمل للبترول التي لا يتجاوز عدد عمالها مائتي عامل والذي قام بتشكيل كامل للنقابة العامة للبترول من أشخاص تابعين للإخوان وبعضهم من خارج القطاع ولايملكون أي تاريخا نضاليا.
ان اتحاد عمال البترول الحر يستنكر كل مخططات التجويع التي تشنها حكومة الإخوان المسلمين وسيطرتهم الغريبة والملفقة وكل نواياهم برفع الدعم عن السلع البترولية المتوقع بعد انتخابات البرلمان القادمة، الأوضاع المعيشية تتدهور بشكل رهيب بسبب سياسات التقشف التي تتبعها حكومة الإخوان والأزمات تتوالي من نقص سولار وبنزين وارتفاع في أسعار الغاز ..
كما تستمر هجماتهم المتلاحقة على عمال البترول بفصل وتشريد القيادات العمالية، بل وصل الأمر حد القبض عليهم كما فعلوا مع عمال شركة شبكات التابعين للمستثمر الكويتي واحالتهم إلى المحاكمات.
سنبقى نناضل من أجل الغاء السخرة داخل القطاع والمتمثلة في شركات المقاول وعودة العمال المفصولين تعسفيا وستستمر موجة الإضرابات والاعتصامات، التي يجب أن تتوحد من أجل الوصول إلى محطة الإضراب العام القادر على انتزاع كافة مطالبهم من نظام لا يشعر بمعاناة الكادحين، ويترك الأغنياء يزدادون غنى.. والفقراء يزدادون فقرا.

لنتحد جميعا، عمال ونقابات وقوى ثورية، في جبهة ثورية تكافح من أجل تشكيل حكومة ثورية تتبنى سياسات منحازة إلى العمال والفقراء.

الأربعاء، 13 مارس 2013

أحمد سعده يكتب: هل فقدت الثورة بوصلتها ..؟؟ .. جريدة الفجر

احمد سعده
أحمد سعده يكتب: هل فقدت الثورة بوصلتها ..؟؟


الكثيرون بالغوا في نظرتهم إلى الثورة المصرية ووصفوها بالكمال، بل أن الشوفينية المصرية صدرت أوهاما للثوريين الرومانسيين مغزاها أن ثورتنا ستسطر تاريخا جديدا للعالم كله وتغيره، وكان من السذاجة والطفولة أن يتوهم الثوريون أن أي ثورة مهما كانت طبيعتها وخطاها ومهما توافرت لها من شروط موضوعية أن تؤدى إلى استيلاء الثورة على سلطة الدولة، لكن تصور وصول الطبقات الشعبية لسلطة الدولة ينطلق من موقف يميني يريد سلطة جماهيرية لخدمة الرأسمالية التابعة والخاضعة لاملاءات وشروط الإمبريالية.
 وكنتيجة للفجوة بين الواقع والطموح أصاب بعض الطبقات الثورية نوع من الإحباط الغير مبرر زين لهم أن الثورة أصبحت في ذمة التاريخ، رغم أنها لا تزال فى منتصف الطريق، إن لم تكن فى بداياته، كما أن الثورة المضادة فشلت حتى الآن فى تحقيق الأهداف الأساسية الشريرة رغم منجزاتها الفعلية كما لم تنجح أيضا للآن في الخروج الآمن من (مأزق) الثورة بسبب طاقات الثورة الشعبية المتجددة باستمرار.
نجاح الثورة المصرية لاتكمن أهميته القصوى في التخلص من أشباح الدولة الدينية وحل جماعاتها وأحزابها، ولا حتى بتلك الأهداف الوهمية التي يتبناها الثوار الحالمون والمنظرون والمفكرون أصحاب الوعي والنضج العلمي، لأن نضالات الشعوب وإن نجحت ثوراتها تصنع أدواتا وأساليبا جديدة لحياتها ونضالها لكن دون الوصول مطلقا إلى السلطة. بما يعنى أن الشعوب أو الطبقات الشعبية العاملة والفقيرة لا تصل إلى السلطة أبدا، حيث أنه وبمجرد انتهاء تطور التناقضات فى صفوف الحركات الثورية عقب وصولها الجماعى لسلطة الدولة ظاهريا، تنشأ وترسخ طبقة رأسمالية استغلالية جديدة. 
لذا فالحقيقة أننا بصدد ثورة سياسية وليست اجتماعية كالتي كانت في بلدان اوروبا الصناعية، والثورات السياسية لا تحقق ولن تحقق بحكم طبيعتها سوى تطور تاريخى يعرف عبر الزمان والمكان وثورات الدنيا باسم الديمقراطية الشعبية، مع بقاء سلطة الدولة واقتصادها بين أصحاب الرأسمالية التابعة سواء كان النظام إخوانيا أو عسكريا أو ليبراليا، ديمقراطية شعبية حقيقية لاتقتصر مهامها فقط على فكرة التخلص من الاخطبوط الإخواني بمخططه الشرير لاعادتنا قرونا للخلف، بل التحرر من كل القطاعات الرأسمالية التابعة للتحليق إلى مستقبل آخر وأفضل، والضمانة الوحيدة لاستمرار الثورة هي تلك الأوضاع المتردية الاجتماعية والاقتصادية الساحقة لطبقات الشعب الفقيرة والعاملة اضافة الى وصول الوعي الثوري لعناصر الثورة الحقيقيين المخلصين لأعلى آفاقه مع ضرورة استثمار التناقض والصراع بين أطراف الثورة المضادة، وألا يدفعنا الرفض الشعبي الواسع لحكم الإخوان المسلمين وضرورة التحرر من براثنهم الى تبني حكم الجيش الذى أتى بهم أساسا إلى السلطة.
ومع الحديث عن الأحداث الجارية لايمكن تجاهل دور المؤسسة العسكرية والتي ستبقى مستعصية صعبة التحدي لأي رئيس جمهورية تماما كما استعصت طروادة على الأثينيين، إنها دولة داخل الدولة، قوة مادية وعسكرية تفوق كل التنظيمات داخل مصر قاطبة، المؤسسة العسكرية لم تكن يوما تسعى لخروج آمن كما تخيل البعض بل أن هدفها كان ومايزال حماية النظام ودولته وحماية الطبقة المالكة، ومع تدهور الحالة الأمنية داخل البلاد والتي تؤكدها إضرابات الشرطة وتهديدات ميليشيات الجماعات الإسلامية بقمع المعارضين تحت غطاء قانوني استنادا للدستور الملفق تلفيقا تعالت بعض الأصوات التي ترى أن الجيش بعيدا عن قياداته العليا الحالية ضرورى للأمن الداخلي للبلاد، مايعني انقلاب الجيش على الحكم الإخواني وهو احتمال وارد، وفي تقديري هو أمر بالغ الخطورة  بل هو الطريق إلى الجحيم، طريق الحرب الأهلية، حرب لن تبقي ولن تذر لطالما حذرت منها وناشدت في كتابات سابقة إلى الاستماتة في تفادي وقوعها والاستعاذة بكل أنواع التعاويذ من شرورها وويلاتها، لكن الحرب الأهلية لن تكون هنا بين السلطة والشعب كما حدث في ليبيا واليمن ويحدث في سوريا ولكنها حرب بين السلطة متمثلة في الإسلام السياسي، والقطاعات الحاسمة في الطبقة المالكة بقيادة الجيش ومباركة الطبقة الرأسمالية التي تحبذ تماما الحكم العسكرى عن قفص الإخوان بل أصبحت تطمح لأن تصبح طبقة حاكمة من خلال ممثليها وأحزابها بعد أن عاشت عقودا طويلة تحت وطأة حكم الشخص وعصابته كطبقة رأسمالية مالكة دون أن تكون طبقة رأسمالية حاكمة. لكن هذا الأمر وإن حدث فلا عزاء لمنجزات الثورة التي ستتبخر بحكم الجيش وتنتهي تماما كما فعل انقلاب يوليو 1952 حين دمر كل منجزات ثورة 1923، لذا فإن النداءات التي تطالب بنزول الجيش وانقلابه على السلطة تفتقد لكثير من خبرات الماضي القريب وأقصد بها تلك اللحظة التي استلم فيها المجلس العسكري الحكم بعد الانقلاب على  مبارك لانقاذ نظام مبارك بأمر من مبارك حيث كان ذلك هو الخيار النموذجي لقيادات المجلس العسكري لتفادي التورط في مواجهة دامية مع الشعب مستفيدا من دروس التاريخ التي مفادها أن أي حرب أهلية طالت أو قصرت شرقت او غربت يشنها النظام الحاكم فى بلد ما على شعبه تنتهى بشكل نموذجي بعد أن تضع الحرب أوزارها وأهوالها وفظائعها إلى هزيمة ساحقة ماحقة لهذا النظام مع تدمير وتمزيق كامل للطبقة الحاكمة، تلك اللحظة الفارقة في تاريخ ثورتنا والتي شهدت تفويض شعبى عفوى، كانت علامته الحقيقية هي السكوت رغم امتلاء الصدور بالشكوك، وكانت تقتضي التوافق على قيادة عليا للثورة من زعماء الثورة الحقيقيين لاستلام السلطة بعيدا عن أي تمثيل للعسكر أو الإخوان، مع إسناد مهمة الأمن الداخلي للجيش اضافة الى أعبائه، نظرا للهزيمة الساحقة التي ألحقها جمهور الشعب الأعزل بقوات داخلية العادلي، لكن المجلس العسكري أبى أن يسلم السلطة رافضا كل المقترحات والبدائل.
الثورة مازالت لم تفقد بوصلتها بعد، رغم محاولات الإخوان السريعة والماجنة في أخونة الدولة على طريق خطة (التمكين) السرية وتنفيذ مخططهم الجهنمي للاستيلاء على كامل السلطة والاقتصاد واعادتنا الى عصور القرون الوسطى حيث التخلف والرجعية زاعمين أنهم ينتمون إلى الثورة بل أنهم هم الثورة جسدا وروحا لحما ودما، الاخوان المسلمون رغم مشاركتهم لأيام معدودة في الثورة لايعني تصنيفهم على أنهم قوى ثورية فوقوفهم كتفا الى كتف مع الثوار على نفس الأرض لم يكن للمشاركة في النضال جنبا الى جنب إنما كان لفرض تحالفهم على نظام مبارك واستخدام الثورة وتطويعها للقفز على السلطة، وكانت الصورة أشبه بخصمين يتقاتلان سويا لكن من بعيد تراهما وكأنهما يتعانقان هذا بالطبع لايندرج على كل الإخوان وملايين من مؤيديهم حتى لاتأخذني نرجسية مضادة أو أنانية مني في تعميم الأمر، لكن بالتأكيد يتطابق تماما على قياداتهم العليا ومكتب إرشادهم، وعلى كل حال ليس فقط الاخوان من يتغنون بالثورة ويملأون الدنيا ضجيجا بالانتماء إليها بل أيضا العسكر والليبراليون اليمينيون وحتى الفلول، وبمواجهة زعم الإخوان المسلمين بأنهم أصحاب فضل ودور هائل في الثورة، بالغ حتى بعض المفكرين والساسة والفلاسفة في تقدير هذا الأمر رغم تجلي الصورة واضحة بتوظيف الاخوان للثورة واستخدامها كوسيلة في الضغط على نظام مبارك-طنطاوي والتي ما تخلوا عنها سريعا بعد اقتناص الفرصة التاريخية التي أهدتهم الثورة إياها وكان جزاؤها منهم جزاء سنمار.
الإخوان المسلمون رغم شعورهم بالقلق والخوف على مصيرهم الذي يهدد بقاؤه استمرار الثورة الشعبية ويؤكده اندفاعهم المجنون نحو الهروب بعيدا في طريق الانفراد بكامل السلطة إلا أنهم وعلى خطى مبارك استطاعوا تضليل وجرف الشعب بمساعدة حلفائهم السلفيين وشخصيات انتهازية وقيادات ليبرالية يمينية إلى مستنقعات القانون في زمن الثورة واختيار المسار التشريعي والدستوري والبرلماني بدلا من استكمال الثورة، وظهروا عبر ألوف البرامج الحوارية التليفزيونية متحدثين عن الصناديق والديمقراطية والانتخابات بمناظرة أطراف أخرى تمثل الليبرالية اليمينية وتضخيم الحدث حتى صار الملايين لاينقطع حديثهم عن الانتخابات سواء البرلمانية أو الرئاسية أو الاستفتاءات الدستورية تحت شعارات (المشاركة لا المقاطعة)، (وكن إيجابي ولا تترك صوتك)، وهذا الأمر في حقيقته لايمكن سوى تسميته الوهم الأكبر أو الديمقراطية من أعلى بإنشاء نظام حكم ديمقراطي لايؤمن أساسا بمبادىء الديمقراطية ويتحكم في كل سلطاته فصيل واحد معتمدا على تزييف إرادة المصريين والمتاجرة بثورتهم واستغلال شعارات دينية إضافة إلى ثالوث الفقر والجهل والمرض الذي يطحن الملايين من سكان الريف والصعيد في تدمير قدرة الجماهير على انتزاع ديمقراطية حقيقية من أسفل ستتحقق لاحقا رغم أنف أعداء الثورة لكن على مدى ليس بالقصير.
ومع الحديث عن السلطة والإقتصاد في مصر لايمكن تجاهل الدور الذي تلعبه واشنطن العاصمة البراجماتية المستعدة كعادتها للتعامل مع أيّ فصيل سياسي يصعد إلى السلطة فى مصر، وكالعادة أيضا مستعدة دائما لتقوية علاقاتها بمختلف الفصائل السياسية الأخرى التى قد تصل بها ظروف وأحداث بعينها إلى السلطة المهم هو انتماء تلك الفصائل لنفس طبقة الرأسمالية التابعة مع توافر شرط الالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات التي ترعى مصالح أمريكا اقتصاديا واسرائيل عسكريا، كما أنها على أتم الاستعداد الدائم للتخلى عن أىّ حليف في حال ان صار ضياع السلطة منه أمرا لامفر منه تماما كما فعلت مع مبارك وتماما كما تسحب تأييدها بشكل تدريجي حاليا للإخوان المسلمين من خلال تصريحات مسئوليها، ولمن مازالوا لايصدقون للآن الدور الأمريكي في وصول الإخوان المسلمين للسلطة فإن التحليلات تضعنا امام بعض العوامل التي تؤكد هذا الدعم، أولها تفضيل أمريكا للاعتماد على جماهيرية الاخوان المسلمين في مصر وجاهزيتهم كبديل خاصة مع إفلاس نظام مبارك الاستبدادي الفاسد اضافة لقدرة الاخوان على احتواء الجهاديين والجماعات المتطرفة ولجمهم، وثانيها تسليم الولايات المتحدة بضعف القوى الليبرالية واليأس من صعودها نحو السلطة رغم انتمائها أيضا لنفس طبقة الرأسمالية التابعة التي ترعاها أمريكا، ثالث الاحتمالات يذهب الى تبني أمريكا لفكرة إقامة نظام حكم إسلامي سني في الشرق الأوسط يعمل على استعداء الشعوب العربية ضد إيران وترويج شعارات دينية وهمية تحذيرية من الشيعة وخطورتهم على المسلمين وتهدف امريكا من أقامة هذا الحكم الاسلامي السني الإعتماد عليه في مواجهة الخطر الإيراني واستخدامه حال توجيه ضربة عسكرية أمريكية-اسرائيلية لإيران. والاحتمال الرابع هو احتمال وليد الفترة الحالية تذهب تفسيراته إلى أن أمريكا ساعدت الاخوان على الوصول للحكم بسبب الرغبة لديها في اشعال ونزع فتيل حرب أهلية لايمكن أن تحدث في مصر إلا بوصول الإخوان للسلطة وذلك بهدف إضعاف مصر عن إسرائيل وهو احتمال بعيد نوعا ما ويمكن تجريده بثلاثة أسباب أولها الواقع الفعلي لضعف مصر عسكريا مقارنة باسرائيل والسبب الثاني هو استبعاد صراع عسكرى أصلا مع الجانب الاسرائيلي، والثالث هو امتلاك أمريكا لأدوات اقتصادية متعددة للضغط على الحياة السياسية في مصر والتاثير فيها، لكن حتى لاتفهم كلماتي خطأ فهي لاتملك الضغط على أزرار للتغيير في مصر إنما تملك من النفوذ مايساعدها على تشكيل الحياة السياسية والاقتصادية في مصر بما يخدم مصالحها.
على الثوار المخلصين والحقيقيين الاستمرار في ثورتهم ونضالهم الثوري دون الاستعانة بالجيش أو منظمات دولية، ودون ان يكونوا عنصرا مساعدا في تأجيج حرب أهلية لن تخدم تطور نضالهم، وألا ينحازوا لهذا الفريق أو ذاك مثلما فعلوا من قبل في انتخابات الرئاسة، لكن عليهم تحديد أهدافهم بانتزاع ديمقراطية شعبية من اسفل تكون نواة وبداية لعصر جديد من الحداثة والتطور الصناعي في سبيل التحرر من التبعية الاقتصادية واستثمار ما أنجزته الثورة حتى الآن من انتزاع الخوف من القلوب وتحقيق المبادرة النضالية، وتمهيد الطريق لانتزاع حقوق وحريات وممارسات كافة الاحتجاجات الشعبية بأشكالها وتنوعها من تظاهرات واعتصامات وإضرابات، والمضي قدما في طريق تحقيق عدالة توزيع الثروة وتأمين الأجور العادلة في ظل أسعار جنونية. والنضال في شتى المجالات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية.