الجمعة، 12 يوليو 2013

أحمد سعده - الثورة المصرية قد تمرض لكن لا تموت

أحمد سعده
أحمد سعده - الثورة المصرية قد تمرض لكن لا تموت
الحكم الإخواني السلفي مازال يتشبث بالشرعية المزعومة حاشدا جموعه في محاولات يائسة لاستعطاف الغرب الذي لا يتعامل مع دول التدخلات العسكرية من باب النفاق الزائف لدعم الديمقراطية، تدخل الجيش المدعوم بثورة الشعب وإطاحته بحكم الإسلام السياسي كان بهدف رئيسي تم تجاهله طبعا، يتمثل في حماية الطبقة الرأسمالية التابعة ونظامها ودولتها، ثم بعد ذلك تأتي أهداف أخرى يتم الترويج لواحد منها على أنه الهدف الأسمى ألا وهو حماية الشعب واستعادة ثورته المسروقة، بما يخلق حالة من المشاعر الإيجابية والأوهام التي تتغنى بوصول الثورة لسلطة الدولة، نفيق منها لنجد أنفسنا في نفس الدائرة الشريرة لمواجهة الثورة المضادة الفلولية العسكرية التي استعادت سلطتها بعد تصفية حساباتها مع الثورة المضادة الاسلامية بحكم التناقضات الطبيعية داخل نفس طبقة الرأسمالية التابعة، لكن هذه المرة بغطاء ليبرالي من قيادات الأحزاب المدنية وبعض شباب الثورة، والذين لن يتوانوا في مساعدة الجيش على احتواء وتصفية الثورة والتحول كمقاتل عنيف ضد كل تصعيد أو احتجاج أو نضال، واقحام الثورة في السرداب المظلم لمتاهة الاستفتاءات والانتخابات لقلة الوعي الثوري حينا عند هذه القيادات أو عن انتهازية أصيلة حينا آخر، وبالتالي فإن مشاركة الجماهير في مهازل الانتخابات في زمن الثورة تفتت طاقات الثورة هباءا كما أنها اعتراف موثق بشرعية مؤسسات لامناص من مواجهتها لنضال جماهير الثورة، نحن إذن بصدد نقطة تحول تسعى فيها الرأسمالية التابعة عن طريق ممثليها السياسيين والحزبيين للإمساك بزمام السلطتين التنفيذية والتشريعية وبمشاركة للإسلاميين من نفس الطبقة كنوع من الاحتواء تحت مسمى المصالحة الوطنية بعد صدمة الإطاحة بهم، في أقوى محاولات الثورة المضادة لاستعادة نظامها والرقص على جثة الثورة، والويل كل الويل لمن قاموا بنصف ثورة..!! ما كل هذا التجمع الغير مسبوق في صفوف الثورة المضادة العسكرية والليبرالية والإسلامية التي تلتحم رغم تصارعها المرير في كتلة فولاذية لاقتسام وتقسيم غنائم الثورة والمضي قدما في سبيل تصفيتها.؟
 ولا غرابة في أن غياب الخبرة لدى شباب الثورة رغم مجدهم الحقيقي كان سببا مباشرا في تبني الانتخابات الرئاسية المبكرة كمطلب قدسي لمرحلة مابعد مرسي، في تكريس مستمر لإنتاج دولة رئاسية يتسابق المتسابقون من شخصيات سياسية وانتهازية كبيرة على رئاستها، تتجاهل ما تحتاجه مصر للإنتقال المباشر لجمهورية برلمانية تحقق قدرا من الديمقراطية الشعبية يكون للبرلمان فيها صلاحيات واسعة بعيدا عن قمة سلطة الدولة التي لاتعدو أكثر من آداة وسلاح فتاك في أيدي الطبقة الاستغلالية في مجتمعنا الطبقي الذي لا مفر من أن يبقى ديكتاتوريا بحكم طبقيته وخضوعه وتبعيته للامبريالية التي ستُوقف نمونا ولن تسمح لنا بالتقدم كلما حاولنا، بل ستعمل على إبقاء أوضاعنا على مانحن عليه (مجرد أسواق وملحقات تجارية وأفنية وزرائب خلفية).
إن انتقال شباب تمرد سريعا من الميادين الى الأروقة والإجتماعات والشاشات انعكس بشكل سلبي على هبوط حركة جماهير الثورة، وأصبحت الميادين الآن محتشدة بمئات الألوف من أنصار تيار الإسلام السياسي التي تتجه بحكم الفقر المادي والفكري نحو بؤس الحل الديني، هذا الوهم الذي لا يقود إلا لتمزيق المجتمع، ما قد يدفع بمستويات جديدة من العنف ويسمح للنظام الجديد بعقد تحالفات وصفقات مع جماعة الإخوان المسلمين وميليشيات الإرهاب والتطرف التي كان ينبغي حل أحزابها فورا بعد أن تسببت في مزيد من تقسيم المجتمع المصري وقادت البلاد لخطر الحرب الأهلية.  
المرحلة القادمة من المتاهات الفقهية والدستورية والانتخابية الممتدة ربما حتى لعامين قادمين ستتوجه اليها الأنظار كالعادة وتهرول إليها الأحزاب السياسية بما فيها تلك التي داخل جبهة الإنقاذ كخير ممثلين ونواب ووسطاء عن طبقة الرأسمالية التابعة بعيدا عن النضال الثوري رغم أن قواعد تلك الأحزاب من جماهير الطبقات الشعبية لكنها بالطبع لاتدرك أن الحزب هو عدوها الأول الذي سيُجمِّد جهودها الثورية لأدنى حد يسهُل التعامل معه بعد أن تستطيع الطبقة الرأسمالية الحاكمة مباشرة أو بواسطة مندوبيها وممثليها استعادة الاستقرار وكفاءة أنظمتها المغلفة بالشرعية التي نكون قد منحناها إياها.
وهنا تطرح الأسئلة نفسها: مافائدة برلمان في دولة لاتعدو فيها المؤسسة التشريعية أكثر من ملحق ثانوي يتم التشريع فيه بأوامر من الحزب الحاكم؟؟ وما فائدة الرئيس في ظل نظام رئاسي سينقلب على الثورة فور تنصيبه إلها بسلطات مطلقة في غياب الفصل بين السلطات وتحت سيطرة العسكر؟؟
إن ما طرحته سابقا عقب ثورة يناير وما اطرحه من الآن ليس موقفا سلبيا مستمرا في مقاطعة المسار الإنتخابي الذي لم يحدد ميعاده بعد، بل هو موقف أتبناه في هذا الزمن تحديدا ألا وهو زمن الثورة، ومحاولة استباقية مني لتذكير كل الفلاسفة والفصحاء الذين يدفعون الجماهير نحو صناديق تزييف إرادتهم للتصويت ضد مصالحهم الحقيقية تحت دعاوي المشاركة الايجابية، ولو كلف هؤلاء الفلاسفة عناء البحث والقراءة لتأكدوا أن المشاركة في الإنتخابات في زمن الثورة هو بعينه طريق الآلام المزين بالورود لإنهاك وتصفية الثورة وارهاق قواها، كما أن الجماهير بحكم عفويتها مازالت لم ترتقي بعد إلى الوعي الثوري المتكامل لاختيار ممثلين حقيقيين لمصالحها، وبخاصة مع وقوفها الآن كمتفرج وانحصار السباق والصراع داخل معسكر الثورة المضادة ممثلا في دولة مبارك التي تسيطر بشكل فعلي على أقسام مهمة من الاقتصاد والإعلام والقضاء وفي قلبها الجيش والشرطة إضافة لقادة الأحزاب الليبرالية التي تمثل قمتها جبهة الإنقاذ، وكل تيارات الاسلام السياسي ورغم أن كل هؤلاء يتغنون بكونهم يمثلون الثورة لحما ودما، إلا أن واقع الثورة يتبرأ منهم جميعا ومن عبثهم بثورة المصريين وشعارها العبقري الغائب الذي يلخص معاناة الجماهير ومطالبهم الحقيقية (عيش-حرية-عدالة اجتماعية).
إن مصير الثورة المصرية السياسية في ظل التبعية الاقتصادية وسيطرة الرأسمالية العالمية لن يختلف كثيرا عن مصائر ثورات مضت في أماكن متفرقة من بقاع الكرة الأرضية، وهي مصائر كئيبة للغاية من حيث انكسار الآمال والتطلعات التي تطلقها فى حينها، وإن أقصى مايمكن تحقيقه هو الوصول لديمقراطية حقيقية شعبية تكون نواة للانطلاق وفتح آفاقا رحبة من التحديث الشامل والتطور والانتقال بمجتمعنا إلى نمط انتاج رأسمالي فعلي بعيدا عن الشعارات الديماجوجية الجوفاء.
إذن فالحلم الحقيقي الناجز وضوء الأمل الوحيد معقودا على الديمقراطية الشعبية، شرط أن تقتنع القوى الثورية وشبابها أنها غير جاهزة لسلطة الدولة على الأقل حاليا، وأن عليها البناء من أسفل ومواصلة نضالها نحو ديمقراطية حقيقية. لكن ماهي الديمقراطية هذا المجهول الغامض؟
الديمقراطية أن يمتلك الشعب أدوات نضاله وتحريره وانتزاع حقوقه وممارستها، هي الطريق الذي يرغبه ويفرضه على الطبقة الحاكمة ودولتها، هي الصحافة الحرة الحزبية والنقابية التي تمثل الطبقات الشعبية العاملة والفقيرة، هي الاستقلال الكامل للأحزاب والنقابات المهنية والنوعية عن سلطة الدولة وقدرتها على الدفاع الحقيقي عن حقوق وحريات الطبقات الشعبية وحمايتها من نفوذ وسيطرة السلطة، هي استقلال القضاء وحمايته للمواطنين من شبح المحاكمات العسكرية والاستثنائية، هي كل ماتستطيع الجماهير انتزاعه من مكاسب اجتماعية واقتصادية كالتطبيق العادل للأجور بحديه الأقصى والأدنى وربط الأخير بغلاء الأسعار، وتحقيق بيئة عمل مناسبة وآمنة، وتطوير حياة الفلاحين والحد من المخاطر المحيطة بمجتمعهم الريفي وأراضيه، وتقديم رعاية صحية متكاملة ومظلة تأمين صحي شاملة، وتطوير التعليم ومناهجه بمختلف مراحله وحماية مجانيته، والمساواة الكاملة بشكل ينص عليه الدستور بعيدا عن أي تمييز بسبب الدين أو العقيدة أو النوع ذكرا أو امرأة، وإعادة صياغة الدستور بشكل واضح وحاسم يفصل بين السلطات ويتضمن كل الحقوق والحريات والواجبات بعيدا عن أي مجاملات دينية أو حزبية ومتوافقا مع المعايير العالمية لمواثيق حقوق الانسان، الديمقراطية الشعبية قادرة على فرض سيادة القانون عن طريق نضالاتها المتواصلة، باختصار: الديمقراطية الشعبية تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه ولصالح نفسه.
ومما لاشك فيه أننا أمام جبل هائل من المجهودات والتضحيات والتحديات لخلق ديمقراطية شعبية تحتاج لطاقات الثورة التي يجب ألا نبددها في صناعة مؤسسات تشريعية ورئاسية هزلية عديمة النفع ولاقيمة لها ولاطائل منها، كما أن مواصلتنا للنضال الشعبي تدعم قدرتنا على إجبار السلطة الحالية واللاحقة على تلبية مطالب الثورة التي ستكون الضمانة الفعلية لانتظام الحياة الطبيعية واعادة البناء والإنتاج بشكل منسجم مع تطورات الثورة التي لا تريد بالطبع الفوضى، بل تسعى لإنصاف الشعب وامتلاكه للقدرة على انتزاع حقوقه وحرياته وأدوات نضاله ليس فقط للتطلع لحياة كريمة انما كذلك إلى التصنيع والتحديث الشامل لانقاذنا من المصير البائس الذي نسبح في اتجاهه بسرعة مرعبة قد نغرق معها في بحر الانهيار الشامل.

السبت، 6 يوليو 2013

أحمد سعده يكتب : المجتمع المصري بين الأوضاع الراهنة وآفاق التحدي

أحمد سعده
أحمد سعده يكتب : المجتمع المصري بين الأوضاع الراهنة وآفاق التحدي

 في ظل الحالة المعنوية المرتفعة والمشاعر الايجابية لدى غالبية المصريين بعد تصور الإطاحة بشبح الحكم الاخواني، والأوهام والأساطير التي ولدت خلال الفترة الحالية حول مستقبل مصر الباهر البراق، لايسعني إلا أن اكون حقيقيا وواقعيا في تقديمي وتحليلي للأوضاع الراهنة واللاحقة للمستقبل المصري بكل مايتهدده من أخطار بعيدا عن الشوفينية الكاذبة التي تفرش لنا مستقبل وردي يتناقض تماما مع أوضاعنا الحقيقية، ففي مجتمعات الاستغلال، والقمع، والأصوليات الدينية، والتدخلات العسكرية الداخلية، واللإمبريالية الخارجية، والتمييز، والشحن الطائفي، والتبعية الاقتصادية، وغيرها، لا يبقى أمامنا سوى الأخطار الكئيبة التى تحوم كشبح أسود ثقيل فوق سماء المصريين.
وقد وجدت أنه ليس من التهذيب أو الأدب أو المهنية أن أستمر في إيلام الناس واحباطهم بالإشارة الدائمة للأخطار والكوارث، غير أن الحديث العميق والتنبيه عنها قد يساعد بشكل أو آخر في تفاديها، أو يفتح أبوابا للخروج منها ولو بشكل جزئي قبل الوصول لمرحلة يصعب معها العودة، مع العلم تماما أن هناك بالفعل مايسمى اللاعودة، وعن نفسي لا أدعي أنني أملك حلولا للخروج مما نحن فيه، غير أني على يقين أن ما يواجهنا في مصر هو ذلك التحدي العنيد متمثلا في التحديث الشامل والتنمية صناعيا وثقافيا وبشكل سريع، فى سباق رهيب غير محموم مع الزمن الذي صار يحاصرنا ويوشك بنفسه على أن يحدد مصيرنا، فهل نكون بقدر التحدى..؟
  أعتقد أننا لم نبدأ التحدي بعد في ظل مجتمع مزدوج ينخر فيه السوس بصورة تؤدي لشيطنة الآخر وتفسح المجال واسعا لاضطهاد الإنسان لأخيه الانسان في غياب لثقافة الاختلاف وتضعنا من جديد أمام السيناريو القبيح الذي طالما عانت البشريه ويلاته وشروره وفظائعه والذي أدى لتقسيم المجتمع المصري على أسس أيديولوجية ودينية خلقت مناخا طائفيا موجها ضد كل الأغيار، وتحولت معه المساجد إلى منابر لدعم الاسلام السياسي بل والتحريض ضد الأقباط والمرأة وضد الثوار، فالآخر دائما شيطان مريد، بل وجعلت سفك الدم المصري رخيصا وحلالا وأحيانا واجبا وفريضة، نحن إذن بصدد فئتين: الاسلام السياسي بقيادة الاخوان المسلمين ومؤيديهم من ناحية وباقي الفئات من الشعب من ناحية أخرى دخلوا فى الصراع الحاسم النهائي، وتحول كلا منهما في نفس اللحظة إلى شيطان سولت له نفسه أنه ملاكا مهمته المقدسة تطهير المجتمع المصري من كل الشياطين، فلا مفر إذن من حرب أهلية بلا هوادة لا يعلم مداها إلا الله.
والحقيقة أن الأخطار التي تواجه مجتمعنا المصري ليست فقط على مستوى الانقسام المجتمعي أو التراجع الاقتصادي والثقافي، ولا حتى الأخطار البيئية الكارثية ومياه النيل والأوبئة والعشوائيات، وهزال الإنتاج والاقتصاد والتجارة الخارجية، وتدهور كافة الخدمات على كل المستويات، وباء التدخلات العسكرية فى الحياة السياسية، وباء الفساد المنفلت، الفقر والجوع والمرض والأمية، تدهور الرعاية الصحية، والتدخل الأمريكي الواسع النطاق فى كل المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، هذا في ظل اصرار كل أيديولوجيا على تقديم نفسها على أنها هي الحل السحري دون غيرها، فالليبرالية هي الحل، والشيوعية هى الحل، والإسلام هو الحل، والديمقراطية هى الحل، غير أننا لا نرى أمامنا أي حل ولانرى الا استمرارا لمعاناة وشقاء المواطن المصري في سياق علاقات القهر والاستغلال، ذلك لأن الواقع الاقتصادي والاجتماعي هو من يخلق الايديولوجيات وليس العكس، الأخطر من كل هذا أننا لايمكننا النظر إلى تلك الأخطار المحدقة رغم بشاعتها على أنها وضع ثابت لايتغير، فالوضع الراهن إن لم يتحسن فإنه لا يبقى على حاله، لأن عدم التقدم للأمام لا يعنى سوى التقهقر للخلف، وتتابع الأخطار والتحامها يجعل منها خطرا كبيرا متوحشا يهدد حتى بقاء المجتمع المصري ويقوده إلى الانهيار الشامل.
 الوقت يداهمنا ويسرقنا وأمامنا جبال من الجهود للتطوير والتحديث الاقتصادي والصناعي، فالصناعة الحديثة هي عصب أي اقتصاد، فلا حديث عن سياحة أو بنية أساسية وخدمية أو زراعة متطورة دون الحديث عن الصناعة التي تغذي وتطور كل تلك العناصر، صناعة تساعد في زيادة الصادرات الصناعية، وتحد من صادرات المواد الأولية والنفطية والزراعية، ورغم كل شعارات الأنظمة المتعاقبة بداية من ناصر ونهاية بمرسي لم ننجح في إقامة صناعات ثقيلة حقيقية، واعتمدنا على الزراعة بأساليب تقنية بدائية ووسائل انتاج تقليدية لاتحقق سوى انتاجية متدنية تطحن معها جهد ملايين الفلاحين وفقراء الريف، ولا أمل فى أن تستوعب الزراعة في الريف معدلات البطالة التي تتفاقم بصورة مرعبة في بلد لا يحسن فيه غالبية سكانه سوى الإنجاب، لتولد أجيال تعاني من سوء التغذية وسوء التعليم بمستقبل مجهول، لتصير أسطورة الثروة البشرية المصرية نوع من الأوهام، فالعبرة ليست بوجود الملايين من الأيدي العاملة تفتقر للتدريب ويواجه غالبيتها شبح البطالة، بل العبرة بوجود عمالة تمتلك خبرات عملية في صناعات متطورة وزراعة حديثة وأقسام أخرى من اقسام الاقتصاد، ولو انتقلنا للاقتصاد الريعي متمثلا في السياحة في بلد يملك من آثار تمتد لأكثر من سبعة آلاف سنة اكثر ماتملكه بلدان العالم أجمع، اضافة لامتداد سواحل البحار ونهر النيل، ورغم هذا وذاك فإننا نعاني تخلفا شديدا في أرقام وأعداد السياح في مصر مقارنة بدول لاتملك معشار مانملكه، لضعف الخدمات الفندقية والبنية الأساسية والإهمال الإجرامي للآثار الفرعونية والقبطية والإسلامية، ومافيا سرقة وتجارة الآثار، والإهمال ليس فقط على مستوى السياحة بل امتد لقناة السويس المهملة خدميا واستثماريا بما يؤدي لفقد أضعاف مايتم تحقيقه حاليا، ثم نتحدث بعد ذلك عن تأجيرها أو بيعها في مزاد بيع مصر لصكوك دولة قطر، ولاننسى اتجاه حكوماتنا المتعاقبة للاقتراض الخارجي وبدون خطة حتى لاستثمار تلك القروض بما يغرقنا في بحر من الديون تجعل منا خادما وممولا للدول الدائنة، وبالتالي ازدياد لفقر الفقراء وبؤس البؤساء، ولاتنزعجوا حينما ينمي إلى مسامعكم أن أكثر من سبعة ملايين مصريا يعيشون في العشوائيات والمقابر، فى بيئة خصبة لتفشي الأوبئة الناتجة عن سوء التغذية والجوع، في ظل حالة من التبلد واللامبالاة في مواجهة الأخطار الصحية الكارثية التي تفترس بڤيروساتها الكبدية وغيرها ملايين المصريين، وكنتيجة حتمية للفساد المتفشي والمدمر لكل أساس اقتصادي، يعيش غالبية الفقراء تحت خط الفقر المدقع في صراعات مخيفة مع الحرمان وتراكم الديون، كعامل مساعد غضافي وبيئة خصبة للجريمة والعنف خاصة مع استفحال التضخم والبطالة، وتدهور مستويات الأجور لتصبح كل مكتسبات الطبقات الشعبية والعاملة معرضة للتبخر والهجوم المتواصل حتى تلك التي تحققت بفضل ثورة المصريين ونضالهم.
وبالانتقال الى أخطار اخرى متعلقة بمصادر الطاقة والموارد الطبيعية، فالأمر كارثي، فيكفي الاشارة الى أن هناك أكثر من ستين شركة أجنبية في قطاع صناعة النفط والغاز المصري بما يعني أننا مازلنا قبل مرحلة القدرة على الاستخراج والتصنيع، إضافة لمذلة تصدير الغاز المصري لاسرائيل بأسعار أقل حتى من أسعار تكلفته، ويكفي أن ننظر للشارع المصري لنلمس بأنفسنا أزمات البنزين والسولار وانقطاع الكهرباء بشكل يشل الحياة المصرية ويضربها في مقتل، مع احتمالات تزايد الأزمة في ظل الصراعات الطبقية والسياسية داخل المجتمع بما يجعلها خطرا حقيقيا، وعن الثروة المحجرية والمنجمية فلا توجد أي رؤية تطويرية ومنجم السكري رغم كل نداءات الاستغاثة لوقف سلبه ونهبه الا أنه يمثل نموذجا فاضحا لإهدار مواردنا في غياب كامل لإدارة الدولة، وعندما أتحدث عن الماء فإنني اتحدث عن الحياة اتحدث عن كل شيء حي، فما الذي قدمته حكوماتنا أمام التقارير التي تشير الى ارتفاع منسوب مياه البحار بشكل قد يغرق دلتا مصر في كارثة كبرى لم نواجهها للآن، وماذا قدمنا بصدد احتمالات انقطاع هطول الامطار على هضبة أثيوبيا وانتقالها للصحراء الشرقية بما يعني جفاف النيل، هل سنظل نتعامل مع تلك الأزمات بمنطق الدعاء، وللآن لم يتم ادخال وسائل حديثة في الري تعمل على ترشيد استهلاك مياه النيل، ولا اعتماد على المياه الجوفية ومياه الآبار، ولا تحلية لمياه البحر رغم أننا في حضن بحرين، بما يعني عجزنا عن استصلاح ملايين الأفدنة والأسوأ من ذلك تعريض سكاننا لمواجهة خطر الفقر المائي خاصة مع المستقبل الغامض لمياه النيل في ظل سد النهضة الاثيوبي الذي قد يزيد من مأساة انقطاع الكهرباء وربما العطش وربما يدفع بنا لخطر حروب المياه، وطبعا فالمسئولية لم تكن فقط على الاخوان المسلمين انما تمتد لعشرات السنين السابقة التي تجاهلت فيها أنظمتنا تعميق المصالح المتبادلة مع دول أفريقيا وبخاصة حوض النيل، التي كان من شأنها أن تضع مصر داخل معادلة رسم وتخطيط سياسة توزيع مياه النيل بشكل عادل استنادا إلى المصالح الاقتصادية المتبادلة، ولا استثناء لأي من العهود السابقة في هذه الأزمة حتى عهد عبد الناصر رغم اهتمامه بدول افريقيا، حيث اقتصر اهتمامه فقط على مستوى العلاقات العامة في غياب لعمليات خلق وترسيخ علاقات التبادل التجاري والاقتصادي، وتنحصر مسئولية الاخوان في تحويل المشكلة الى أزمة من خلال مهزلة اجتماع الأمن القومي السري العلني والاقتراحات العنترية لساستنا الأغبياء بتهديد الأمن الداخلي والخارجي للشعب الاثيوبي وغيرها من غباءات أصبحت بمثابة أدلة موثقة من شأنها إضعاف الموقف المصري حال اللجوء للقضاء الدولي ومجلس الأمن، وتواصلت تهديدات قيادتنا السياسية التي أعلنت ان كل الخيارات مفتوحة، رغم الشكوك في قدرة مصر على اتخاذ أي موقف تصعيدي ينزلق بنا الى حرب في أدغال وهضاب وتضاريس أثيوبيا ينتهي بعودة جيشنا بهزيمة محققة في ظل الدعم الدولي ودعم دول الجوار ومنها السودان للموقف الاثيوبي،
قد لايكفي مقالي للحديث العميق عن كل الأخطار، لكننا بالفعل أمام حياة مجتمعية وثقافية وسياسية ممزقة تحمل في طياتها أخطارا لاحصر لها ولاعدد، وفي ظل هذه الكآبة تغدو مصر أرضا خصبة لتخريب الشركات العابرة للقارات وعصابات المخدرات وانشطة الجاسوسية بشكل ننزلق معه بسيقان عارية في مستنقع الخراب العاجل.
  لكن بإمكاننا أن نسير على درب الاستثناء وأن نكون على مستوى التحدى شرط أن ندرك جبال الجهود المطلوبة منا، والمتواضعة قياسا بكل ما أنجزته الثورة المصرية، ولاسبيل لنا من التحديث والتطوير والانتقال لنمط انتاجي صناعي الا بكسر الحلقة الشريرة للتبعية الاقتصادية، للافلات من المصير المرعب لفناء المجتمع المصري وانهياره، قبل أن يداهمنا الوقت، إن لم يكن قد داهمنا بالفعل.