الاثنين، 2 سبتمبر 2013

أحمد سعده - أسطورة الجيش والشعب أيد واحدة

أحمد سعده - أسطورة الجيش والشعب أيد واحدة
أحمد سعده
بداية وحتى لا تختلط أفكار ساخني الرؤوس فإن رفض الحكم الديني ورفض الحكم العسكري المباشر لا يعني أننا على موقف الحياد من الجيش والإخوان، فبالرغم من كون الجيش أداة الدولة في سيطرتها وتسهيل استغلالها واستبدادها إلا أنه رغم جهنميته يبقى آداه لا يمكن الاستغناء عنها في مجتمعنا "الطبقي "لتخفيف حدة الصراع بين الطبقات والحيلولة دون القتال المرير بينها، لأن مجرد إلغاء تلك الآلة لا يعني سوى تحويل المجتمع المصري الطبقي لغابة حقيقية وفوضى دموية، أما الإخوان شئنا أم أبينا فهُم الإخوان ولا يمكن تصنيفهم سوى بأنهم جماعة إرهابية فاشية لا ينبغي بأي حال استمرار وجودها أو التعاطف مع خطرها في المجتمع إلا إذا كان لدينا حنين إلى الماضوية والرجعية والتخلف.
- الخطر الإخواني على الدولة والمجتمع اصطدم بخصمين عنيدين: الثورة الشعبية التي لم يكن أمامها سوى الحفاظ على ما تقتضيه ضرورات استمرارها بتخطي تلك العقبة الكؤود، والجيش الذي أدي دوره المعتاد كممثل سياسي وعسكري لمصالح الطبقة الرأسمالية التابعة التي اصطدمت بالقطاع الإسلاموي من نفس الطبقة بعد صراع مرير وصل حد المواجهة المسلحة أو الحرب المصغرة التي سرعان ما حسمها الجيش بعد محاولات الأخونة السريعة والمجنونة لمراكز السلطة والاقتصاد التي كانت تتجه بوصلتها في ناحية غاية الخطورة على مصالح ألوف من رجال الطبقة الرأسمالية ومؤسساتها الإعلامية والإدارية والقضائية والعسكرية في عملية طرد واحلال لهؤلاء الرجال واستبدالهم برجال الثقة من الإخوان في كل قطاعات الدولة بما فيها الجيش التي كانت ستنال منه حتما براثن الأخونة، غير أن الجيش لم يكن بمستطاعه أن يطيح بالإخوان لولا اعصار 30 يونيو التسونامي الكاسح، وكذلك فالثورة الشعبية رغم ضخامتها إلا أنها لم تكن لتنجح في اسقاط حكم الإخوان لولا تدخل الجيش تماما كما حدث مع اسقاط مبارك.
- ورغم ما قد يبدو بسبب التزامن بين ضربة الثورة الشعبية وبين ضربة الجيش للخطر الإخواني المشترك، إلا أن كلاهما ضرب منفردا ويسير منفردا وليس على الإطلاق كأيد واحدة رغم كل التضليل والنفاق الحالي الذي يحاول تلفيق الجيش في صلب الثورة رغم العداء الخفي للثورة المصرية منذ بدايتها الذي سرعان ما سيظهر بحكم الطبيعة الاقتصادية والسياسية لتلك المؤسسة التي أطاحت بمبارك خوفا من نيران الثورة وزلزالها وتفادي التورط في حرب أهلية ضد الشعب المتحفز، والآن تُجهِز على الإخوان حلفاء الأمس وتعتمد سياسة أكثر خبثا في تضليل الثورة الشعبية باستمالة قياداتها ودمجهم في عصب سلطة الدولة وطبقتها الحاكمة، وإذا كانت المعركة الحربية المسلحة التي دارت رحاها في البلاد بين قطاعي الرأسمالية التابعة الإسلاموي متمثلا في الإخوان، وغير الإسلاموي المتمثل في دولة ما قبل 25 يناير بإعلامها وقضائها وجيشها وشرطتها وكلا القطاعين يقبعان باقتدار في خندق الثورة المضادة. فلماذا إذن تطلب بعض الأصوات الثورية أن تتوقف تلك الحرب الشاملة عن طريق استبدال الحل الأمني بالحل السياسي أو الشعبي للمهادنة بين قطاعين مضادين لثورتنا ؟ وإذا كان لا مناص من أن تبقى الرأسمالية التابعة في حكم البلاد، فهل ينبغي على الشعب وثورته أن يحاربا بدلا من الجيش والشرطة في معركة مسلحة لخدمة وتتويج انتصار دولة ما قبل 25 يناير ؟ 
- والآن تعمل كل مؤسسات الدولة ومصر كلها على قدم وساق لإضفاء صبغة وطنية زاعقة يستغلها الجيش كغطاء شعبي في القضاء على الارهاب الإسلاموي تحت شعار "تسلم الأياديرغم أن مواجهة العناصر الإرهابية لا تحتاج إلى كل هذا الضجيج الشعبي والتهليل الإعلامي، كما أن وصم تلك الجماعات بالإرهاب لا ينطبق بالطبع على مئات الألوف من مؤيديهم ممن جرى شيطنتهم وتصويرهم على انهم حُثالة المجتمع، وإذا كانت القيادة العسكرية والسياسية الآن تستطيع حل كل جماعات الاسلام السياسي وأحزابهم وأدواتهم التي قادت البلاد لما نحن عليه الآن فلماذا التردد والميوعة والتهاون ؟ في تقديري أن الجيش يتعمد السماح لتواجد نسبة من العنف اليسير يَسهُل السيطرة عليه وتوجيهه ليكون نافذة لإقناع المجتمع الدولي المعارض لموقف الجيش من ناحية، ومن ناحية أخرى تكون دافعاً ليس فقط لبقاء الجيش في صدارة المشهد السياسي بل ربما لأكثر وأبعد من ذلك عن طريق الحكم العسكري المباشر من خلال أحد الشخصيات العسكرية البارزة ذات الوزن والثقل السياسي والشعبي كوزير الدفاع السيسي الذي تحاول بعض القوى السياسية والشبابية بحكم افتقادها للوعي حينا، أو بطبيعتها الانتهازية حينا آخر الترويج له وتقديمه كحل لا مفر منه لما تشهده البلاد من عنف وإرهاب، ورغم الشعبية الجارفة لوزير الدفاع والتي اكتسبها بقوة التدخل العسكري لصالح إعصار 30 يونيو التسونامي الكاسح ومساندته، إلا أن من مصلحته أن يبقى محتفظا بتلك الشعبية بدلا من أن يصبح رئيسا سرعان ما سينقلب على الشعب وثورته
- وكما تأثرت قطاعات جماهيرية واسعة بحيادية الجيش وانحيازه للشعب أعقاب ثورة يناير وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة حكم البلاد، تتأثر اليوم بالدعاية المضللة والكاذبة حول ثورية الجيش وبطولته، في تجاهل متعمد للعديد من العناصر المسببة لتدخل الجيش والتي لم يجرى سوى تقديم عنصر واحد منها وإبرازه على أنه العنصر الأوحد ألا وهو الحفاظ على ثورة الشعب، رغم أن التدخل كان أمرا استباقي بِحُكم أن الجيش جزء لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة ودولتها ما يعني أنه ببساطة طرف أصيل في مواجهة الإخوان وليس وكيلا عن الشعب وثورته.
- وحتى لا تَأخُذنِي نرجسية مضادة ضد حكم الجيوش الذي لا فكاك منه في عالمنا الثالث كَكُل أو أتساوى في تحليلي مع أولئك الذين يشتمون في الجيش ليلاً نهاراً ظناً منهم أنهم يقولون شيئا مفيدا، فينبغي أن أشير إلى أن التدخل العسكري كان مرغوبا ومطلوبا ومنتظرا من جماهير 30 يونيو وكان عاملا حاسما وفاعلا في إزاحة كابوس الدولة الدينية وانقاذ البلاد من حرب أهلية شاملة ومدمرة لا تبقي ولا تذر، ولذا وجب على بعض كُتَّابِنا اليساريين التخلي عن دنيا الأوهام وأن يجتهدوا ولو قليلا ليعلموا أن الابتعاد عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والاعتماد على تأكيدات نظرية قد يعمل بدوره على خلق آراء غاية التَطرُف ضد الدولة والجيش ثم أن التبني المتواصل لمفردات الشجب والإدانة وزرع الاحباط قد تقتل الأمل، رغم أن الكاتب الجاد المُتعمق عليه أن يعلو فوق الإحباط والاكتئاب والألم أمام الاخطار التي تحدق بالأمل. ورأينا كيف استغل الاخوان مثل تلك الآراء في توظيف الثورة ووضعها في مواجهة مباشرة مع قيادة مجلس طنطاوي العسكري إلى الحد الذي أهدى الحكم الديني سلطة البلاد بعد اسقاط حكم المجلس العسكري بطريقة عفوية تفتقد للوعي رغم أن النضال ضد حكم المجلس العسكري المباشر كان أمرا ضروريا.
- وعلى قيادات الثورة المخلصين أن يتفادوا التورط في دعم حكم عسكري مباشر من شأنه تصفية الثورة والقضاء على منجزاتها تحت شعارات قومية جوفاء تعززها الأبواق الإعلامية وتلوح بوادرها في الأفق من الآن، غير أن وعي الجماهير المتسلح بخبرة عامين ونصف يؤهلها لتتجاوز سريعاً في الفترة القادمة أسطورة "الجيش والشعب إيد واحدة" كما تجاوزت نفس الدعاية في أيام المجلس العسكري ولا مناص من استمرار نضال الثورة الشعبية التي لا تخضع سوى لقانونها الخاص.
- وهناك من يستند إلى ضرورة حكم الجيش ليس فقط لدحر الإرهاب الإسلاموي وعودته الانتقامية المحتملة بل أيضا لمواجهة الهجمة الأمريكية الشرسة على مصر وهذا التَصوُر إنما ينطوي على العديد من المبالغات والقراءة المتسرعة للمشهد فالعلاقة بين الجيش والولايات المتحدة استراتيجية لأبعد مدى رغم صدمة الإدارة الأمريكية من قرارات الجيش المصري التي تمت دون تنسيق مُسبق معهم كما جرت العادة، ولعل انزعاجهم يكمن في أنهم أخذوا كثيرا من حُكم الإخوان أكثر حتى مما أخذوه من حكم مبارك وفي كل الأحوال فهو موقف سياسي تكتيكي مؤقت لمحاولة فرض السيطرة والخضوع على الحكم الحالي وترويضه وتدجينه بما يضمن إعادة مصر داخل الحظيرة الأمريكية حفاظا على مصالح أمريكا العسكرية والاقتصادية وأمن اسرائيل كهدف استراتيجي دائم لا علاقة له باستمرار الإخوان أو غيرهم في الحكم
- ولا ينبغي المبالغة في تقدير الدور الذي تلعبه أمريكا في مصر فرغم كل النفوذ السياسي والاقتصادي إلا أن أمريكا ليس بمقدورها أن تتحكم في السياسة المصرية وبوصلة الثورة المصرية بأوامر مطلقة على طريقة (كن فيكون) وإلا ما سقط مبارك وما سقط الإخوان، كما أن ذلك ينطوي على تأكيد لنظرية المؤامرة ويُوجِّه إهانة واحتقار للشعب المصري بصورة لا تُغتَفَر بل ووصف ثورته بالعمالة للولايات المتحدة وبالطبع فإن تلك المبالغات هي أحد أدوات ودعاية الثورة المضادة للتشكيك في ثورة المصريين في تجاهل تام لمبررات وأسباب الثورة الجوهرية الواضحة وضوح يفقأ العين المُتمَثِّلة في تَدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لجماهير الشعب، والزيادة الرهيبة في معدلات الفقر والحرمان، والأعداد المليوينة لساكني المقابر والعشوائيات ممن يعانون أخطار الجوع والأوبئة والأمية والتشرد والضياع، وصارت مُعاناتِهم جزء من أسلوب معيشتهم أمام أي منشأة خدمية أو صحية، وفي كل مكتب حكومي أو قسم شرطة، وفي كل خطوة وفي كل شارع أو ناصية، وأصبحوا فريسة سهلة للأمراض السرطانية والفيروسات الكبدية التي تلتهم الملايين منهم سنويا، وصاروا ضحايا للاستبداد والفساد والاستغلال والنهب وتفشي الفساد والبطالة وغيرها من الأمور التي لا يكفي مقالي للإشارة إليها بما جعل الأوضاع قنبلة قابلة للانفجار تنتظر فقط نزع فتيلها الذي كان في 25 يناير 2011
- ولأن لكل وقت آذان، فأخشى ما أخشاه الآن من ارتداء قناع الديمقراطية الزائف بالسماح للجماعات الاسلاموية بالتواجد على المنصة السياسية من جديد تحت دعاوي لم الشمل والتصالُح كما أرى الآن أمامي على الشاشة من زيارة المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية لحزب النور الحليف الرئيسي للإخوان المسلمين، وإشراكهم في لجنة الخمسين كممثلين عن التيار الاسلامي لتعديل الدستور ما يعني تراجع الدولة عن حل الأحزاب الدينية ويسمح بعودة تدريجية للإخوان والسلفيين بخطط وبرامج وربما بمسميات جديدة وبنفس طموح دولة الخلافة الدينية الكابوسية بعيدا عن كل درس مستفاد، فهل سنعيش من جديد في دوامة الصراع الطائفي والطيفي الذي يُبعِدنا بدوره عن نضالنا الأصلي والحقيقي من أجل مطالب ثورتنا تحت ضغط الإرهاب الوحشي الشرس والمتعطش للانتقام ؟
- الأفكار المُتَطَرِّفة مصيرها الحتمِي الاقصاء والعزل مهما طال أمَدها، لأنها ببساطة لا تقدم جديدا للمستقبل أو تخدم حياة البشر ومعاناتهم وبؤسهم، بل أنها تخدم الماضي وتتراجع إليه. ومن هنا كانت ضرورة التخلص من الاخوان المسلمين كتيار سياسي تغلغل في طبقات الشعب المصري بوسائل معروفة للجميع لم يكن من بينها يوما النضال في سبيل قضية وطنية أو من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات، وقد يَتوهم البعض بأننا تخطينا هذا الشبح الأسود الثقيل بسقوط الإخوان المُدَوِّي. غير أن دروب الشر كثيرة ومنها ذلك التراجع الثقافي والفكري والروحي والاقتصادي والاجتماعي للحياة المصرية في إشارة لا تُخطيء إلى أن مصر أرض خصبة جدا لإنتاج ونمو نفس أزهار الشر الاسلاموية من جديد.
- ولا خلاص من هذا البؤس الديني والعسكري لمجتمعنا الواقع تحت براثن التبعية سوى بالتحول الحقيقي لتصنيع شامل وتحديث جذري يعملان سويا على فتح آفاق رحبة للمجتمع المصري ينمو من خلالها ويُحَلِّق في سماء عالم مُتقدم من التطور لا يعترف إلا بما يبذله البشر من مجهودات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق