السبت، 6 يوليو 2013

أحمد سعده يكتب : المجتمع المصري بين الأوضاع الراهنة وآفاق التحدي

أحمد سعده
أحمد سعده يكتب : المجتمع المصري بين الأوضاع الراهنة وآفاق التحدي

 في ظل الحالة المعنوية المرتفعة والمشاعر الايجابية لدى غالبية المصريين بعد تصور الإطاحة بشبح الحكم الاخواني، والأوهام والأساطير التي ولدت خلال الفترة الحالية حول مستقبل مصر الباهر البراق، لايسعني إلا أن اكون حقيقيا وواقعيا في تقديمي وتحليلي للأوضاع الراهنة واللاحقة للمستقبل المصري بكل مايتهدده من أخطار بعيدا عن الشوفينية الكاذبة التي تفرش لنا مستقبل وردي يتناقض تماما مع أوضاعنا الحقيقية، ففي مجتمعات الاستغلال، والقمع، والأصوليات الدينية، والتدخلات العسكرية الداخلية، واللإمبريالية الخارجية، والتمييز، والشحن الطائفي، والتبعية الاقتصادية، وغيرها، لا يبقى أمامنا سوى الأخطار الكئيبة التى تحوم كشبح أسود ثقيل فوق سماء المصريين.
وقد وجدت أنه ليس من التهذيب أو الأدب أو المهنية أن أستمر في إيلام الناس واحباطهم بالإشارة الدائمة للأخطار والكوارث، غير أن الحديث العميق والتنبيه عنها قد يساعد بشكل أو آخر في تفاديها، أو يفتح أبوابا للخروج منها ولو بشكل جزئي قبل الوصول لمرحلة يصعب معها العودة، مع العلم تماما أن هناك بالفعل مايسمى اللاعودة، وعن نفسي لا أدعي أنني أملك حلولا للخروج مما نحن فيه، غير أني على يقين أن ما يواجهنا في مصر هو ذلك التحدي العنيد متمثلا في التحديث الشامل والتنمية صناعيا وثقافيا وبشكل سريع، فى سباق رهيب غير محموم مع الزمن الذي صار يحاصرنا ويوشك بنفسه على أن يحدد مصيرنا، فهل نكون بقدر التحدى..؟
  أعتقد أننا لم نبدأ التحدي بعد في ظل مجتمع مزدوج ينخر فيه السوس بصورة تؤدي لشيطنة الآخر وتفسح المجال واسعا لاضطهاد الإنسان لأخيه الانسان في غياب لثقافة الاختلاف وتضعنا من جديد أمام السيناريو القبيح الذي طالما عانت البشريه ويلاته وشروره وفظائعه والذي أدى لتقسيم المجتمع المصري على أسس أيديولوجية ودينية خلقت مناخا طائفيا موجها ضد كل الأغيار، وتحولت معه المساجد إلى منابر لدعم الاسلام السياسي بل والتحريض ضد الأقباط والمرأة وضد الثوار، فالآخر دائما شيطان مريد، بل وجعلت سفك الدم المصري رخيصا وحلالا وأحيانا واجبا وفريضة، نحن إذن بصدد فئتين: الاسلام السياسي بقيادة الاخوان المسلمين ومؤيديهم من ناحية وباقي الفئات من الشعب من ناحية أخرى دخلوا فى الصراع الحاسم النهائي، وتحول كلا منهما في نفس اللحظة إلى شيطان سولت له نفسه أنه ملاكا مهمته المقدسة تطهير المجتمع المصري من كل الشياطين، فلا مفر إذن من حرب أهلية بلا هوادة لا يعلم مداها إلا الله.
والحقيقة أن الأخطار التي تواجه مجتمعنا المصري ليست فقط على مستوى الانقسام المجتمعي أو التراجع الاقتصادي والثقافي، ولا حتى الأخطار البيئية الكارثية ومياه النيل والأوبئة والعشوائيات، وهزال الإنتاج والاقتصاد والتجارة الخارجية، وتدهور كافة الخدمات على كل المستويات، وباء التدخلات العسكرية فى الحياة السياسية، وباء الفساد المنفلت، الفقر والجوع والمرض والأمية، تدهور الرعاية الصحية، والتدخل الأمريكي الواسع النطاق فى كل المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، هذا في ظل اصرار كل أيديولوجيا على تقديم نفسها على أنها هي الحل السحري دون غيرها، فالليبرالية هي الحل، والشيوعية هى الحل، والإسلام هو الحل، والديمقراطية هى الحل، غير أننا لا نرى أمامنا أي حل ولانرى الا استمرارا لمعاناة وشقاء المواطن المصري في سياق علاقات القهر والاستغلال، ذلك لأن الواقع الاقتصادي والاجتماعي هو من يخلق الايديولوجيات وليس العكس، الأخطر من كل هذا أننا لايمكننا النظر إلى تلك الأخطار المحدقة رغم بشاعتها على أنها وضع ثابت لايتغير، فالوضع الراهن إن لم يتحسن فإنه لا يبقى على حاله، لأن عدم التقدم للأمام لا يعنى سوى التقهقر للخلف، وتتابع الأخطار والتحامها يجعل منها خطرا كبيرا متوحشا يهدد حتى بقاء المجتمع المصري ويقوده إلى الانهيار الشامل.
 الوقت يداهمنا ويسرقنا وأمامنا جبال من الجهود للتطوير والتحديث الاقتصادي والصناعي، فالصناعة الحديثة هي عصب أي اقتصاد، فلا حديث عن سياحة أو بنية أساسية وخدمية أو زراعة متطورة دون الحديث عن الصناعة التي تغذي وتطور كل تلك العناصر، صناعة تساعد في زيادة الصادرات الصناعية، وتحد من صادرات المواد الأولية والنفطية والزراعية، ورغم كل شعارات الأنظمة المتعاقبة بداية من ناصر ونهاية بمرسي لم ننجح في إقامة صناعات ثقيلة حقيقية، واعتمدنا على الزراعة بأساليب تقنية بدائية ووسائل انتاج تقليدية لاتحقق سوى انتاجية متدنية تطحن معها جهد ملايين الفلاحين وفقراء الريف، ولا أمل فى أن تستوعب الزراعة في الريف معدلات البطالة التي تتفاقم بصورة مرعبة في بلد لا يحسن فيه غالبية سكانه سوى الإنجاب، لتولد أجيال تعاني من سوء التغذية وسوء التعليم بمستقبل مجهول، لتصير أسطورة الثروة البشرية المصرية نوع من الأوهام، فالعبرة ليست بوجود الملايين من الأيدي العاملة تفتقر للتدريب ويواجه غالبيتها شبح البطالة، بل العبرة بوجود عمالة تمتلك خبرات عملية في صناعات متطورة وزراعة حديثة وأقسام أخرى من اقسام الاقتصاد، ولو انتقلنا للاقتصاد الريعي متمثلا في السياحة في بلد يملك من آثار تمتد لأكثر من سبعة آلاف سنة اكثر ماتملكه بلدان العالم أجمع، اضافة لامتداد سواحل البحار ونهر النيل، ورغم هذا وذاك فإننا نعاني تخلفا شديدا في أرقام وأعداد السياح في مصر مقارنة بدول لاتملك معشار مانملكه، لضعف الخدمات الفندقية والبنية الأساسية والإهمال الإجرامي للآثار الفرعونية والقبطية والإسلامية، ومافيا سرقة وتجارة الآثار، والإهمال ليس فقط على مستوى السياحة بل امتد لقناة السويس المهملة خدميا واستثماريا بما يؤدي لفقد أضعاف مايتم تحقيقه حاليا، ثم نتحدث بعد ذلك عن تأجيرها أو بيعها في مزاد بيع مصر لصكوك دولة قطر، ولاننسى اتجاه حكوماتنا المتعاقبة للاقتراض الخارجي وبدون خطة حتى لاستثمار تلك القروض بما يغرقنا في بحر من الديون تجعل منا خادما وممولا للدول الدائنة، وبالتالي ازدياد لفقر الفقراء وبؤس البؤساء، ولاتنزعجوا حينما ينمي إلى مسامعكم أن أكثر من سبعة ملايين مصريا يعيشون في العشوائيات والمقابر، فى بيئة خصبة لتفشي الأوبئة الناتجة عن سوء التغذية والجوع، في ظل حالة من التبلد واللامبالاة في مواجهة الأخطار الصحية الكارثية التي تفترس بڤيروساتها الكبدية وغيرها ملايين المصريين، وكنتيجة حتمية للفساد المتفشي والمدمر لكل أساس اقتصادي، يعيش غالبية الفقراء تحت خط الفقر المدقع في صراعات مخيفة مع الحرمان وتراكم الديون، كعامل مساعد غضافي وبيئة خصبة للجريمة والعنف خاصة مع استفحال التضخم والبطالة، وتدهور مستويات الأجور لتصبح كل مكتسبات الطبقات الشعبية والعاملة معرضة للتبخر والهجوم المتواصل حتى تلك التي تحققت بفضل ثورة المصريين ونضالهم.
وبالانتقال الى أخطار اخرى متعلقة بمصادر الطاقة والموارد الطبيعية، فالأمر كارثي، فيكفي الاشارة الى أن هناك أكثر من ستين شركة أجنبية في قطاع صناعة النفط والغاز المصري بما يعني أننا مازلنا قبل مرحلة القدرة على الاستخراج والتصنيع، إضافة لمذلة تصدير الغاز المصري لاسرائيل بأسعار أقل حتى من أسعار تكلفته، ويكفي أن ننظر للشارع المصري لنلمس بأنفسنا أزمات البنزين والسولار وانقطاع الكهرباء بشكل يشل الحياة المصرية ويضربها في مقتل، مع احتمالات تزايد الأزمة في ظل الصراعات الطبقية والسياسية داخل المجتمع بما يجعلها خطرا حقيقيا، وعن الثروة المحجرية والمنجمية فلا توجد أي رؤية تطويرية ومنجم السكري رغم كل نداءات الاستغاثة لوقف سلبه ونهبه الا أنه يمثل نموذجا فاضحا لإهدار مواردنا في غياب كامل لإدارة الدولة، وعندما أتحدث عن الماء فإنني اتحدث عن الحياة اتحدث عن كل شيء حي، فما الذي قدمته حكوماتنا أمام التقارير التي تشير الى ارتفاع منسوب مياه البحار بشكل قد يغرق دلتا مصر في كارثة كبرى لم نواجهها للآن، وماذا قدمنا بصدد احتمالات انقطاع هطول الامطار على هضبة أثيوبيا وانتقالها للصحراء الشرقية بما يعني جفاف النيل، هل سنظل نتعامل مع تلك الأزمات بمنطق الدعاء، وللآن لم يتم ادخال وسائل حديثة في الري تعمل على ترشيد استهلاك مياه النيل، ولا اعتماد على المياه الجوفية ومياه الآبار، ولا تحلية لمياه البحر رغم أننا في حضن بحرين، بما يعني عجزنا عن استصلاح ملايين الأفدنة والأسوأ من ذلك تعريض سكاننا لمواجهة خطر الفقر المائي خاصة مع المستقبل الغامض لمياه النيل في ظل سد النهضة الاثيوبي الذي قد يزيد من مأساة انقطاع الكهرباء وربما العطش وربما يدفع بنا لخطر حروب المياه، وطبعا فالمسئولية لم تكن فقط على الاخوان المسلمين انما تمتد لعشرات السنين السابقة التي تجاهلت فيها أنظمتنا تعميق المصالح المتبادلة مع دول أفريقيا وبخاصة حوض النيل، التي كان من شأنها أن تضع مصر داخل معادلة رسم وتخطيط سياسة توزيع مياه النيل بشكل عادل استنادا إلى المصالح الاقتصادية المتبادلة، ولا استثناء لأي من العهود السابقة في هذه الأزمة حتى عهد عبد الناصر رغم اهتمامه بدول افريقيا، حيث اقتصر اهتمامه فقط على مستوى العلاقات العامة في غياب لعمليات خلق وترسيخ علاقات التبادل التجاري والاقتصادي، وتنحصر مسئولية الاخوان في تحويل المشكلة الى أزمة من خلال مهزلة اجتماع الأمن القومي السري العلني والاقتراحات العنترية لساستنا الأغبياء بتهديد الأمن الداخلي والخارجي للشعب الاثيوبي وغيرها من غباءات أصبحت بمثابة أدلة موثقة من شأنها إضعاف الموقف المصري حال اللجوء للقضاء الدولي ومجلس الأمن، وتواصلت تهديدات قيادتنا السياسية التي أعلنت ان كل الخيارات مفتوحة، رغم الشكوك في قدرة مصر على اتخاذ أي موقف تصعيدي ينزلق بنا الى حرب في أدغال وهضاب وتضاريس أثيوبيا ينتهي بعودة جيشنا بهزيمة محققة في ظل الدعم الدولي ودعم دول الجوار ومنها السودان للموقف الاثيوبي،
قد لايكفي مقالي للحديث العميق عن كل الأخطار، لكننا بالفعل أمام حياة مجتمعية وثقافية وسياسية ممزقة تحمل في طياتها أخطارا لاحصر لها ولاعدد، وفي ظل هذه الكآبة تغدو مصر أرضا خصبة لتخريب الشركات العابرة للقارات وعصابات المخدرات وانشطة الجاسوسية بشكل ننزلق معه بسيقان عارية في مستنقع الخراب العاجل.
  لكن بإمكاننا أن نسير على درب الاستثناء وأن نكون على مستوى التحدى شرط أن ندرك جبال الجهود المطلوبة منا، والمتواضعة قياسا بكل ما أنجزته الثورة المصرية، ولاسبيل لنا من التحديث والتطوير والانتقال لنمط انتاجي صناعي الا بكسر الحلقة الشريرة للتبعية الاقتصادية، للافلات من المصير المرعب لفناء المجتمع المصري وانهياره، قبل أن يداهمنا الوقت، إن لم يكن قد داهمنا بالفعل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق